الفصل التاسع: مميزات المنهج

 

 

 

لا شکّ أنّ معرفة المنهج في تأليف أي کتاب والاطلاع علي مميزاته والفوائد الحاصلة من تطبيقة تعدّ من أفضل الطرق لمعرفة الکتاب وتحديد مستواه العلمي، ويتميز الکتاب بقدر ما يتميز المنهج المتّخذ في تأليفه، وقد وصف سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ مميزات هذا المنهج في مقدمته للکتاب حيث يقول: «يعرف به جميع من يتضمّنه الأسانيد من الرجال، ويتبين به طبقاتهم، ومن يروي کل واحد منهم عنه ومن يروي عنهم، ويتکفّل تمييز مشترکاتها، وبيان عللها، والإشارة إلي ما هو الصواب فيها بوجه علمي واضح المأخذ، يقدر کل طالب علي النظر فيه والاستنباط منه، ويرجي بذلک أن يتوارد عليه أفکار المحصّلين ويتّسع نطاقه بذلک»(1).

وعلي ضوء هذه العبارة ووفقاً للفکرة التي أخذناها من المنهج يمکننا أن نفصّل «مميزات المنهج» کما يلي:

1ـ معرفة رجال السند

إنّ جمع أسانيد کل شيخ في محلّ واحد، ولحاظها کمجموعة واحدة، تمهّد للباحث أن يتعرّف علي رجال السند، لأنّ بعض رجال السند قد يعبّر عنه في بعض الأسانيد بکنيته أو بلقبه أو بانتسابه وفي بعض الأسانيد باسمه، ولا يحتاج الباحث في توحيدهما ـ غالباً ـ إلا أن ينتبه أنّ من روي عن المکنّي هو نفس من روي عن المصرّح باسمه، وأيضاً ينتبه أنّ من يروي عنه المکنّي هو نفس من روي عنه المصرّح باسمه.

وبهذا يعرف الراوي بالاسم الکنیه او  با لاسم واللقب والانتساب معاً، ويحکم باتّحاد السندين الذين ذکر فيهما.

وقد تکفّل هذا المنهج بهذا المهمّ بشکل واضح، وهذه النتيجة الحاصلة نتيجة منطقية تساعد الباحث في الاستنتاجات الاخرى.

وفي هذا القسم نذكر بعض الأمثلة لهذه الاستنتاجات:

1ـ جاء في سند حديث 7 من باب الغنم من کتاب الدواجن: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ (2)».

وجاء أيضاً في سند حديث 10 من باب الاهتمام بامور المسلمين من کتاب الإيمان والکفر: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد(3)، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ (4)».

ونستنتج أنّ أبا جميلة في السند السابق هو المفضل بن صالح.

2ـ جاء في سند حديث 10 من باب ميراث ابن الملاعنة من کتاب المواريث: «أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي الکوفي، عن عبيس بن هشام، عن ثابت، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ (5)».

وجاء أيضاً في سند حديث 5 من باب طلاق التي لم يدخل بها من کتاب الطلاق: «أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي بن عبدالله، عن عبيس بن هشام، عن ثابت بن شريح، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ (6)».

ونستنتج اتّحاد جميع الرواة المذکورين في هذين السندين.

3ـ جاء في سند حديث 2 من باب فرض طاعة الأئمة من کتاب الحجة: «الحسين بن محمد، عن معلّي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح قال: أشهد أني سمعت أبا عبدالله ـ عليه السلام ـ يقول(7)».

وجاء أيضاً في سند حديث واحد من باب الإشارة والنصّ علي أبي عبدالله جعفر بن محمد صلوات الله عليهما من کتاب الحجة: «الحسين بن محمد، عن معلّي بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح الکناني قال: نظر أبو جعفر ـ عليه السلام ـ إلي أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ يمشي فقال(8)».

ونستنتج أنّ هذين السندين متحّدان في جميع الوسائط.

وهکذا نستطيع أن نعرف مجموعة کبيرة من الرواة بمساعدة هذا المنهج.

2ـ تعيين طبقات الرواة

إنّ ترتيب مجموعة کبيرة من أسانيد الکافي حسب الأسماء المذکورة فيها تعرّف الباحث أنّ من تکرّر اسم في بداية السند ولم يذکر في غير هذا المحلّ هو من شيوخ الکليني، وأنّ من تکرّر اسمه بعد شيوخ الکليني هو في طبقة شيوخ شيوخ الکليني، وأنّ من تکرّر بعد شيوخ شيوخ الکليني هو في طبقة شيوخ شيوخ شيوخه، وهکذا.

وقد عرف أصحاب هذا الفنّ أنّ التعبير عن طبقات الرواة في کل کتاب بهکذا عبارات طويلة قد يسبّب الالتباس ومحاذير أخري، ولهذا عبّروا عنها بالأعداد الرتبية.

وکان المولي محمد تقي المجلسي ـ قدس سره ـ ممّن تصدّي لهذا المهمّ، وحدّد طبقات الرواة، فعدّ الشيخ الطوسي والنجاشي من الطبقة الاولي، ومشايخهم من الثانية، وهکذا حتي أصحاب أميرالمؤمنين والحسنين ـ عليهم السلام ـ، فعدّهم من الطبقة الثانية عشرة(9).

وحصر ابن حجر العسقلاني طبقات الرواة في اثنتي عشرة طبقة، فعدّ الصحابة من الطبقة الاولي، وکبار التابعين من الثانية، وهکذا حتي الطبقة الثانية عشرة، وعدّ محمد بن عيسي الترمذي المتوفّي عام 279 هـ، وعدّ أيضاً هنّاد بن السري بن يحيي التميمي المتوفّي عام 331 من هذه الطبقة(10).

وقد ناقش سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ طريقة المولي محمد تقي المجلسي هذا في تعيين الطبقات بأنّه عدول عن الترتيب المألوف إلي عکسه، وغير ذلک؛ کما ناقش طريقة ابن حجر العسقلاني في تفصيل الطبقات بأنّه تکثير للعدد من غير موجب وغير ذلک، جاء کلّ هذا في مقدمته للکتاب(11).

الطبقات:

وقد فصّل سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ طبقات الرواة من الصحابة حتي الشيخ الطوسي في اثنتي عشرة طبقة، وذکر من کل طبقة مجموعة من الأسماء، وما يلي موجز ما فصّله ـ رحمه الله ـ مع ذکر بعض منهم:

الاولي: من روي عن رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ من الصحابة کسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار.

الثانية: من روي عمّن لم يطل عمره(12)ممّن روي عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، کأبي الطفيل عامر بن واثلة، ومحمد بن أبي بکر، والأصبغ بن نباته، وکميل بن زياد.

الثالثة: من روي عمّن لم يطل عمره من الطبقة الثانية، کسملة بن کهيل، ومحمد بن مسلم الزهري، وأبي حمزة الثمالي.

الرابعة: من روي عمّن لم يطل عمره من الطبقة الثالثة، کزرارة بن أعين وإخوته، وأبان بن تغلب، وعبدالرحمان بن أبي عبدالله، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير.

الخامسة: من روي عمّن لم يطل عمره کثيراً من الطبقة الرابعه، کسماعة بن مهران، وعبدالله بن سنان، وعبدالله بن مسکان، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسي، ومعاوية بن عمّار، وهشام بن الحکم، وهشام بن سالم.

السادسة: من روي عن غير المعمرّين من الطبقة الخامسة، کأحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي بن فضّال، والحسن بن علي الوشّاء، والحسن بن محبوب، والحسين بن يزيد النوفلي، وعبدالرحمان بن أبي نجران، وعيسي بن هشام، وعثمان بن عيسي، وعلي بن النعمان، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن أبي عمير، ومحمد بن سنان، ويونس بن عبدالرحمان.

والغالب فيهم هوکون ولادتهم حدود عام 145ـ160 ووفياتهم حدود عام 210ـ230.

السابعة: الذين رووا عن غير المعمرّين من الطبقة السادسة، کأحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد بن عيسي، والحسن والحسين ابني سعيد الأهوازي، والحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة الکوفي، والحسن بن محمد بن سماعة، والحسن بن موسي الخشّاب، وسهل بن زياد، ومحمد بن حسان الرازي، ومحمد بن عبد الجبار القمي، ومحمد بن عيسي بن عبيد، ومعلّي بن محمد البصري، ويعقوب بن يزيد.

والغالب فيهم هو کون ولادتهم حدود 185ـ200 ووفياتهم حدود260ـ270.

الثامنة: من روي عن غير المعمّرين من الطبقة السابعة، کشيوخ الکليني الذين يروي عنهم، فإنّهم کلّهم ـ سوي من شذّ منهم(13)ـ من صغار هذه الطبقة. وکجعفر بن محمد بن مالک الفزاري، ومحمد بن جعفر بن أحمد بن بطة، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب.

والغالب فيهم هو کون ولادتهم حدود 230ـ250 ووفياتهم حدود 300ـ310.

التاسعة: الذين رووا عن غير المعمّرين من الطبقة الثامنة، کالشيخ أبي جعفر الکليني ـ رحمه الله ـ وأحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، وأحمد بن محمد بن يحيي العطّار، والحسن بن علي بن أبي عقيل العماني، والحسن بن محمد بن جمهور، والحسين بن أحمد بن إدريس، والشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ثالث السفراء الأربعة ـ رضوان الله عليهم ـ والحسين بن علي بن سفيان البزوفري، وحمزة بن القاسم العلوي العباسي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار النيشابوري، وعلي بن الحسين المسعودي، وعلي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي، وعلي بن محمد السمري رابع السفراء الأربعة ـ رضي الله عليهم ـ ومحمد بن إبراهيم الجعفي الکوفي النازل بمصر صاحب الفاخر، ومحمد بن أحمد بن عبدالله المفجّع البصري، ومحمد بن أحمد أبي بکر بن أبي الثلج،

ومحمد بن جرير بن رستم الطبري، ومحمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار البزّاز المعروف بابن الحجّام، ومحمد بن علي الشلمغاني، ومحمد بن مسعود العياشي.

والغالب فيهم هو کون ولادتم حدود 260ـ270 ووفياتهم حدود 330ـ350.

العاشرة: الذين رووا عن غير المعمرّين من الطبقة التاسعة، کأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد القمي، وأحمد بن عمران المعروف بابن الجندي، وأحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري أبي غالب، ومحمد بن إبراهيم النعماني، ومحمد بن أحمد بن الجنيد الإسکافي، ومحمد بن إسحاق النديم صاحب الفهرست، ومحمد بن عبدالله أبي المفضل الشيباني، ومحمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه الصدوق، وهارون بن موسي التلعکبري.

والغالب فيهم هو کون ولادتهم حدود 290ـ310 ووفاتهم حدود 360ـ380.

الحادية عشر: الذين رووا عن الطبقة العاشرة، کأحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي، والحسين بن عبيدالله الغضائري، وعلي بن أحمد بن العباس (والد النجاشي صاحب الفهرست)، وعلي بن الحسين الموسوي علم الهدي، وعلي بن محمد الخزّاز الرازي صاحب کفاية النصوص، ومحمد بن محمد بن النعمان المفيد.

والغالب فيهم هو کوئن وفياتهم حدود 400ـ420.

الثانية عشر: من روي عن غير المعمّرين من الطبقة الحادية عشر، کأحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي صاحب الفهرست، وتقي بن نجم الحلبي صاحب کتاب الکافي، وسالار بن عبد العزيز الديلمي صاحب کتاب المراسم، ومحمد بن الحسن بن علي الطوسي، ومحمد بن علي الکراجکي.

والغالب فيهم هو کون وفياتهم حدود 450ـ460.

هذا موجز ما فصّله المؤلف ـ رحمه الله ـ في الأسماء من کل طبقة، وعلي ضوء هذه الطبقات حدّد أيضاً طبقة الرواة عن کل واحد من الأئمة ـ عليهم السلام ـ فقال: «إنّ الذين رووا عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ عامّتهم من الطبقة الاولي والثاني، بل وکذا الرواة عن الحسنين ـ عليهما السلام ـ .

وأما الرواة عن علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ فهم من إحدي هاتين الطبقتين، أو من الثالثة.

والرواة عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أکثرهم من الرابعة، نعم ربما شارکهم فيها بعض المعمرّين من الطبقة السابقة أيضاً.

والرواة عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ جلّهم من الرابعة والخامسة، وأکثرهم من الخامسة، وربّما شارکهم بعض من عمّر من الثالثة أيضاً.

والرواة عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ جلّهم من الرابعة والخامسة، وأکثرهم من الخامسة، وربّما شارکهما بعض من عمّر من الثالثة أيضاً.

والرواة عن أبي الحسن الأول ـ عليه السلام ـ جلّهم من الخامسة وربما شارکهم بعض معمّري الرابعة، وشاذّ من کبار السادسة.

والرواة عن أبي الحسن الرضا الأول ـ عليه السلام ـ جلّهم من السادسة، وربّما روي عنه ـ عليه السلام ـ بعض من الخامسة، وشاذ من السابعة أيضاً.

والرواة عن أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ من السادسة والسابعة.

والرواة عن أبي الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ وأبي محمد ـ عليه السلام ـ جلّهم من السابعة،وربّما شارکهم في الأول بعض من صغار السادسة، وفي الثاني شاذّ من کبار الثامنةأيضاً.

وأمّا الرواية عن صاحب الدار ـ عجل الله تعالي فرجه ـ في الغيبة الصغري فلم يتشرّف بها من غير السفراء الأربع ـ الذين عرفت أنّ أولهم من السابعة، والثاني من الثامنة(14)، والأخيرين من التاسعة ـ إلا قليل لا يتجاوزون عن هذه الطبقات الثلاث.

وأما الطبقة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة فلا رواية لهم عن أحد من الأئمة ـ عليهم السلام ـ(15)».

ثم عدّ ـ رحمه الله ـ أبا علي ابن الشيخ الطوسي من الطبقة الثالثة عشر، وهکذا من کان بعده حتي طبقة السادسة والثلاثين فعدّ فيها مشايخه، ومنهم المولي محمد کاظم الخراساني صاحب الکفاية.

3ـ معرفة مرتبة الرواة

لقد جاء في الحديث: «عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : يا بني اعرف منازل الشيعة علي قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلي أقصي درجات الإيمان(16)». ومن هذا المنطلق عدّ وصف «کثير الرواية» ووصف «روي وأکثرالرواية» عند بعض الأعلام مدحاً للموصوف به، ومن هؤلاء الأعلام العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ حيث عدّ حديث «جبرئيل بن أحمد» الذي لم يوصف إلا بـ «گثير الرواية(17)» في قسم الحسن(18). کما عدّ حديث «علي بن محمد بن فيروزان» الذي لم يوصف إلا بهذا الوصف(19)في هذا القسم أيضاً(20).

ومع غضّ النظر عمّا يمکن أن يقال في وصف «کثير الرواية» من أنّ الموصوف به عادة يکثر سهوه، فلا يدلّ هذا الوصف علي المدح(21)، لکن نقول: إنّ بهذا المنهج الذي رسمه المؤلف ـ قدس سره ـ يتمکنّ الباحث أن يعرف عدد أحاديث کثير من الرواة، ويعرف أيضاً من روي عنه ومن روي هو عنهم، ومن ثمّة يعرف مرتبته ومنزلته عند أهل الحديث.

إنّ وصف «کثير الرواية» من الأوصاف التي تستنتج من خلال التتبّع في هذا الکتاب والکتب التي دوّنت علي منواله، فلا حاجة إلي أن يصرّح بها أصحاب الجرح والتعديل، فلو کان الباحث ممّن يري أنّ هذا الوصف يدلّ علي المدح سينتفع بهذا المنهج أکثر من غيره.

4ـ تمييز المشترکات

إنّ هذه الخطة التي وضعها السيد المؤلف ـ قدس سره ـ وألف کتابه هذا وفقاً لها هي من أحسن الخطط في تمييز المشترک، وأقلّها جهداً وأکثرها اطمئناناً. ولا مبالغة لو قلنا بأنّها هي الخطة الوحيدة والناجحة في حلّ هذا المعضل الذي کان قد أخذ قسطاً کبيراً من وقت الفقهاء والمجتهدين.

فإنّهم قد ألّفوا ـ شکر الله مساعيهم ـ في تميز المشترک کتباً ورسائل کثيرة لمعرفة الرواة وتحديد أسماءهم بالضبط، کي يتسنّي لهم الحکم باعتبار الحديث أو رفضه.

فإنّ هذا الحکم لا قيمة له إلا بعد معرفة رواة الحديث بأسماءهم وتمييزها عما يشارکها في الاسم والطبقة والوصف، وقد تکفّلت هذه الحطّة بهذه المهمّة بأحسن وجه.

والذي ينبغي للباحث في هذا الفنّ أن يلحظه هو أن مؤلفي کتب الرجال والتراجم قد يذکروا في ترجمة الرواي ما کانوا قد أخذوه من کتب الحديث، ومن ناحية اخري معرفة رواة الحديث مبنية ـ علي الأغلب ـ علي هذه الکتب، وهذا مما يعرقل علي الباحث طريق الوصول إلي النتيجة القطعية، حيث يخال له أنّ هذا هو من نوع الدور الباطل، فيشکّ في ما سلّم له أرباب هذا الفنّ وما بنوا عليه.

لکن بعد الممارسة في هذا الفنّ يتوصّل الباحث إلي هذه الحقيقة أنّ کتب الرجال وکتب الحديث تکمّل بعضها بعضاً، فلا يمکن التعويل علي واحد منهما دون الآخر، فعليه أن يأخذ من کلّ منهما ما يطمئنّ إليه ليبني عليه ويستعين به لمعرفة مسائل هذا الفن، وحلّ معضلاته.

إن علم الرجال والحديث ليس مثل العلوم العقلية التي رسم لها روّادها اصولاً متعارفة وأصولاً موضوعة يبني الباحث عليها المسائل. إنّ لهذا الفنّ قضايا يؤسّسها الباحث بنفسه لنفسه، وهو المسؤول عنها وهو المستفيد منها.

وسبق أن تحدّثنا في فصل «سبب التأليف» عن الکتب المدوّنة في تمييز المشرکات، وذکرنا وصف السيد المؤلف لها بقوله: «لا تغني من غرضها شيئاً(22)»، وکان هذا من أسباب تأليفه للکتاب.

وفي هذا الفصل نذکر أهمّ ما يمکن أن يقدّمه هذا المنهج من عطاء قيم في هذا الفنّ الذي وضعه أصحابه ليکون وسيطاً بين کتب الحديث وبين کتب الرجال. وبعد معرفة الراوي وطبقته وفقاً لهذا المنهج يتسنّي للباحث تمييز کثير من الأسماء المشترکة، ولا يحتاج إلي الخوض في تلک المناقشات الطويلة التي يخوضها الأعلام في تعيين المقصود من الاسم المشترک.

وعلي سبيل المثال نذکر بعض الأسماء المشترکة التي جاءت في مجموعة کبيرة من الأسانيد وقد تيسّر تمييزها بالاستعانة بهذا الکتاب وهي:

1ـ الحسن بن علي، الذي يروي عنه أحمد بن إدريس هو «الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة»، وأنّ الذي يروي أحمد بن إدريس هذا بتوسط محمد عبدالجبار عنه هو «الحسن بن علي بن فضال»، وأنّ الذي يروي الحسين بن محمد الأشعري بتوسط علي بن محمد عنه هو «الحسن بن علي الوشاء».

2ـ الحسن بن محمد، الذي يروي عنه حميد بن زياد هو «الحسن بن محمد بن سماعة».

3ـ محمد بن إسماعيل الذي يروي أحمد بن إدريس بتوسط محمد بن عبدالجبار عنه هو «محمد بن إسماعيل بن بزيع» وکذا الذي يروي محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عنه.

4ـ ابن سنان، الذي يروي محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد عنه هو «محمد بن سنان» والذي يروي محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب عنه هو «عبدالله بن سنان» والذي جاء في «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن ابن سنان» هو «محمد بن سنان»، ويدلّ عليه أنّه جاء في سند حديث 13 من باب نوادر کتاب النکاح: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ(23)».

هذه نماذج من عشرات النتائج الحاصلة من هذا المنهج في تمييز مجموعة کبيرة من الأسماء المشترکة التي جاءت في أسانيد کثيرة من کتاب الکافي.

5ـ تحديد الأسانيد المرسلة

لقد بذل الفقهاء جهداً کبيراً في تحديد الأسانيد المرسلة، حتي لا يتورّطوا في عملية الاستنباط للأحکام بالأحاديث المرسلة.

وبناء علي عدم اعتبار الأسانيد المرسلة ـ حتي لو أرسلها ابن أبي عميرـ لو سقط من السند اسم راو واحد، أو أرسله الراوي بأن حذف منه اسم راو واحد، أو أبهم في التعبير عنه لسقط السند من الاعتبار، لاحتمال أن يکون من سقط أو حذف أو أبهم ضعيفاً لا يعتمد عليه. ولأنّ معرفة نوع الحديث نتيجة تتبع أخسّ وسائطه، کما تتبع النتيجة المنطقية أخسّ مقدماتها.

وکان سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ بهذا المنهج وبتحديد طبقات الرواة قد حدّد الأسانيد المرسلة التي ارسلت بسبب ما وقع فيها من النقص أو الحذف أو أرسلها رواتها.

کما علّق علي أسانيد قد روي الراوي في البعض منها عن شخص مباشرة وروي عنه في غيرها بالواسطة إما مستصوباً الجميع، وإمّا مستدلاً علي صحّة أحدهما دون الآخر، وذلک بناءً علي ما کان قد حصل عليه من المرجّحات لتصويب أحدهما دون الآخر.

6ـ معرفة وجه الصواب في الاسانيد المعلولة

سبق أن تحدّثنا في فصل «سبب التأليف» عن «العلل الواقعة في الأسانيد» وذکرنا من أنواعها: التصحيف، والقلب، والزيادة، والنقص، وأشرنا في فصل «منهج التأليف» إلي «تحديد الأسانيد المعلولة والتعليق عليها»، وفي هذا الفصل نذکر بعض ما استصوبه المؤلف ـ قدس سره ـ في علاج هذه الطائفة من الأسانيد.

إنّه ـ رحمه الله ـ قد نبّه علي وقوع التصحيف في أوائل طائفة من الأسانيد وذکر الصّواب فيها، وکان لهذه التصويبات دور کبير في صحّة عملية جرد الأسانيد وعملية استقصاء أسانيد شيوخ الکليني.

لقد جاءت خمسة أسماء في أوائل طائفة من الأسانيد مصحّفة، وقد ذکر هو ـ رحمه الله ـ وجه الصواب فيها وهي(24):

1ـ أحمد بن أبي عبدالله، وصوابه: أحمد بن عبدالله.

2ـ الحسن بن علي العلوي، وصوابه: الحسين بن علي العلوي.

3ـ علي بن عبدالله، وصوابه: محمد بن عبدالله.

4ـ محمد بن جعفر الرازي، وصوابه: محمد بن جعفر الرزاز.

5ـ محمد بن الحسين، وصوابه: محمد بن الحسن.

ونبّه أيضاً علي وقوع التصحيف في أربعة أسانيد تبدأ بـ «عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وأبي داود جميعاً» وذکر أنّ الصواب فيها: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وأبو داود جميعاً»، فيکون أبو داود معطوفاً علي «عدة من أصحابنا» لا مقروناً بـ«أحمد بن محمد»، وعدّ هذه الأسانيد الأربعة من أسانيد أبي داود الذي عدّه من مشايخ الکليني(25).

وذکر أيضاً أنّ عبارة «أحمد بن محمد، عن سعيد بن المنذر بن محمد» التي جاءت في أول السند من کتاب الروضة(26) وهم، وصوابه: «أحمد بن محمد بن سعيد، عن المنذر بن محمد».

وجاء في الروضة سند أوله: «الحسين بن أحمد بن هلال» وبعده سند أوله: «عنه، عن أحمد بن هلال»، ثم بعده سند أوله: «عنه، عن أحمد بن زرعة(27)» وعلّق ـ رحمه الله ـ قائلاً: «الحسين بن أحمد بن هلال في الأول من روايات الروضة وهم، وکذا «أحمد بن زرعة» في الثالثة، لعدم ذکرهما في شيء من التراجم والإسناد» ثم قال: «والغالب علي الظنّ هو أنّ السند الأول کان في الأصل هکذا: «الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال» فلما تبدّلت لفظة «عن» بلفظة «بن» بتصرّف الناسخين صار «بن أحمد» مکرراً، فرأوا زيادة الثاني، فاسقطوه، فصار بهذه الصورة(28)».

فعليه يرجع ضمير «عنه» في هذين السندين إلي «الحسين بن أحمد»، ويکون الصواب في «أحمد بن زرعة» هو «أحمد، عن زرعة»، والمقصود من «أحمد» هذا هو «أحمد بن هلال».

هذه نماذج من مئات التصويبات التي تتکامل بها معرفة الأسانيد، وکان المؤلف ـ رحمه الله ـ قد حصل علي کثير منها من خلال تطبيق هذا المنهج.

7ـ الاطمئنان إلي سلامة أسانيد الکافي

إنّ البحث عن أسانيد الکافي يعدّ من الأبحاث المصيرية في أخذ القرار الصحيح بحقّ الکتاب ومؤلّفه، وقد أفرط البعض في حکمه علي الکتاب بحجّة وجود العلل في مجموعة من أسانيده، وذهب ـ حيث لا يشعر ـ إلي أنّه لا يمکن الحصول علي نتائج يقينية من البحث عن هذه الأسانيد، وما يبذله الباحث من الجهد في هذا المجال يذهب سدي.

لکن لو تمهّل هذا المدّعي وأمعن النظر في هذه الأسانيد وأحصي المعلولة منها، وقارنها مع السليمة منها لتراجع عن حکمه الجازف هذا.

إنّ نسبة الأسانيد المعلولة ـ حتي لو بالغنا فيها ـ لا تزيد علي عُشر الأسانيد کلّها، ووجود هذه النسبة من الأسانيد لا تمنع من الاطمئنان إلي سلامة البقية التي تشکّل تسعين بالماءة منها.

علي أنّ هذا الاطمئنان لا يحصل إلا بعد عملية الجرد التام للأسانيد، ثم الحصول علي النظائر لکل سند، وکل ما کثرت نظائر السند ازداد الاطمئنان إلي سلامته من العلل.

ولا شک أنّ هذا المنهج تکفّل بمهمّة جمع النظائر بأفضل اسلوب، ومهّد للباحث ما يوجب الاطمئنان إلي سلامته هذه المجموعة الکبيرة من أسانيد الکتاب.

8ـ التمهيد اللازم لمعرفة الحديث وتنويعه

إنّ الحديث بعد القرآن هو المصدر الثاني لمعرفة الأحکام الشرعية، ومع غضّ النظر عن فکرة صحّة کل ما جاء في الکتب الحديثية الأربعة يتحتّم علي الباحث أن يهتمّ بدراسة الحديث ومعرفة أنواعه، وهذا لا يتمّ إلا بعد التمهيدات اللازمة، ومنها معرفة سند الحديث.

وقد ذکر سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ سبب التساهل في معرفة الأسانيد قائلاً: «إنّ الذي منع المحصّلين غالباً من استفادة هذه المسائل التي يشتدّ الابتلاء بها ولا غني لهم عن معرفتها من هذا المنبع الغزير الذي يکون بأيديهم وتحت نظرهم هو کونها عندهم کالآلة لملاحظة المتون، وعدم کونها بجنبها مقصودة باللحاظ بالأصالة، مضافاً إلي ما عليه أسانيد کل شيخ من التفرّق».

ثم وصف هذا المنهج بأنّه يمّهد لمعرفة الحديث وقال: «إذ به يعلم جميع ما ذکر من الجهات التي لها دخل في تعرّف أسانيدها التي هي الأصل في إحراز متونها(29)».

إنّ لمعرفة الأحکام الشرعية واستنباطها من الحديث مقدّمات کثيرة ومنها معرفة الحديث، وهذه المعرفة يجب أن تكون كاملة و شاملة لكل ما له دخل فيها.

وقد فصل هذا المنهج كل ما يحتاجه الباحث في معرفتة الأسانيد ومهّد له المقدمات اللازمة بدواً من تجريد الأسانيد وترتيبها إلي تنقيحها وتهذيبها ليتسنّي له معرفة الحديث وتنويعه إلي الصحيح والمؤثّق والحسن والضعيف، وذلک اعتماداً علي ما ذکره أصحاب الجرح والتعديل بشأن الرواة.

9ـ معرفة الأسانيد المذکورة في سائر الکتب

ليس کتاب الکافي أول کتاب دوّن في الحديث، ولا هو آخر کتاب.

لقد دوّن السلف الصالح قبل الکليني کتباً قيمة بقي بعضها حتي الآن، ودوّنت بعد الکافي مجاميع حديثية أخري لها مکانتها عند العلماء، ومنها من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، وکتابي تهذيب الأحکام والاستبصار للشيخ الطوسي.

وقد اتّحد کثير من أحاديث هذه المجاميع الثلاث مع أحاديث الکافي، وأنّ الشيخ الطوسي قد أخذ من الکافي مجموعة کبيرة من الأحاديث ابتدأ أسانيدها باسم الکليني.

ويستطيع الباحث أن يتّخذ من هذا المنهج منطلقاً مطمئنّاً لمعرفة أسانيد هذه المجاميع وتنقيحها وتهذيبها، کي يحصل علي مجموعة أکبر مما في الکافي من الأسانيد المنقّحة.

10ـ تکميل کتب الرجال وکتب تمييز المشترکات

سبق أن تحدّثنا في فصل «سبب التأليف» عن کتب الرجال وعن کتب تمييز المشترکات، وفي هذا الفصل نذکر دور هذا المنهج في تکميل هذه الکتب.

إنّ مؤلفي الکتب الرجالية الأربعة لم يستقصوا جميع الروايات التي رواها المترجمون لهم عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ ، ليذکروا في ترجمة کل واحد منهم ما يعرّفنا علي عصره وطبقته بالضبط، وما ذکروه فيها من تفاصيل وإن کانت مهمّة، إلا أنّها غير کاملة.

وکم من راو ذکروا أنّه روي عن شخص واحد من الأئمة ـ عليهم السلام ـ ، والحال أنّه روي عن غيره ـ عليه السلام ـ أيضاً.

مضافاً إلي أنّه قد جاءت أسماء مجموعة من الرواة ضمن أسانيد الکتب الحديثية مفصّلة أکثر مما جاءت في کتب الرجال.

علي أنّ الأحاديث التي رواها الراوي الواحد قد تساعد الباحث ليعرف عن الراوي أکثر مما جاء عنه في کتب الرجال.

وأما کتب فنّ تمييز المشترکات، فإنّها لم تؤلّف وفقاً لمنهج متقن يتکفل تأمين جميع حاجات الباحث.

مضافاً إلي أنّها قد اعتمدت الکتب الحديثية کما هي، ولم يوفّق مؤلفوها لتنقيحها وتهذيبها کما ينبغي، حتي يطمئنّ إلي ما استنتجوه منها، وکان سيدنا المؤلف ـ قدس سره ـ ممن قد عرف ما تنقصه هذه الکتب فرسم منهجه هذا، ليکمّل به کثيراً من هذه النواقص.

………………………………………………………………………

1- ترتيب أسانيد الکافي، ص 108ـ109.

2- الکافي، ج 6، ص 545.

3- بداية هذا السند «عنه» عن ابن أبي نجران» وقبله: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد».

4- الکافي، ج 2، ص 165.

5- الکافي، ج 7، ص 161.

6- الکافي، ج 6، ص 85.

7- الکافي، ج 1، ص 183.

8- الکافي، ج 1، ص 306.

9- روضة المتقين، ج 14، ص 323ـ324.

10- راجع تقريب التهذيب، ج 1، ص 25ـ26، و ج 2، ص 121، و ص 270.

11- راجع ترتيب أسانيد الکافي، ص 113ـ114، هذا وقد رتّب السيد علي البروجردي کتابه طرائف المقال في إحدي وثلاثين طبقة، وخصّص الطبقة الاولي بمشايخه ومعاصريه وهکذا حتي الطبقة الحادية والثلاثين، وهي طبقة الصحابة، وعدّ الکليني من طبقه ثلاث وعشرين، فلو عکسنا الترتيب يعدّ الکليني هذا من التاسعة.

12- أي روي عن غير المعمرين.

13- مثل أحمد بن محمد الراوي عن محمد بن الحسن، فعدّه المؤلف من التاسعة، راجع ترتيب أسانيد الکافي، ص 117.

14- أي عرفت أنّ أوّلهم من السابعة والثاني من الثامنة قياساً علي أقرانهم لا بالتصريح بأسماءهم، فإنّه ـ عليهم السلام ـ لم يذکرهم في من ذکرهم.

15- ترتيب أسانيد الکافي، ص 111ـ113.

16- معاني الأخبار، ص 1، وعنه البحار، ج 1، ص 106.

17- رجال الطوسي، ص 458.

18- الوجيزة، ص 23.

19- رجال الطوسي، ص 478.

20- الوجيزة، ص 74.

21- للمزيد راجع مقياس الهداية، ج2، ص 48.

22- ترتيب أسانيد الکافي، ص 108.

23- الکافي، ج 5، ص 559.

24-راجع ترتيب أسانيد الکافي، ص 124 و 147 و 157 و 258 و 289 و 229.

25- راجع ترتيب أسانيد الکافي، ص 125، وذکر أنّ «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وابن داود جميعاً» أيضاً وهم، وصوابه: «وأبو داود جميعاً».

26- راجع الکافي، ج 8، ص 386، حديث 586.

27- راجع الکافي، ج 8، ص 257ـ258، أرقام 370ـ372.

28- ترتيب أسانيد الکافي، ص 155.

29- ترتيب أسانيد الکافي، ص 108.

 

 

 

پاسخی بگذارید