الفصل الثامن: منهج التأليف

 

 

 

لقد ذکرنا في فصل «کيفية تأليف الکتاب» أنّ الکتاب قد تمّ تأليفه ومراجعته وإکماله واستنساخه في ثلاث مراحل. وفصّلنا عن هذه المراحل، وفي هذا الفصل نذکر المنهج الذي رسمه سيدنا المؤلف ـ قدس سرّه ـ لتأليف الکتاب، وقبل کل شيء نقول:

إنّ هذا المنهج يرکّز علي الأسانيد نفسها أکثر مما يرکّز علي ما هو خارج عنها، لأنّ بعض الأسانيد في هذا المنهج هو موضوع المسائل، وبعضها الآخر يکون دليلاً علي هذه المسائل ومنبعاً لاستنباطها.

وقد أکدّ السيد المؤلف ـ قدس سرّه ـ علي هذا المعني في مقدمته للکتاب قائلاً: «إنّ کل شيخ من رجال السند وقع الإجمال أو الاعتلال فيما فوقه من أجزاء السند(1) يوجد في ساير أسانيده ـ غالباً أو دائماً ـ ما يفسّر ذلک الإجمال أو يدّل علي هذا الاعتلال وعلي ما هو الصواب فيه، بحيث يغنينا ـ غالباً ـ عن النظر إلي ما هو خارج عنها، فأسانيد الروايات کما تکون ببعضها موضوعاً للمسائل الباحثة عن تلک الجهات المذکورة کذا تکون ببعضها الآخر دليلاً عليها ومنبعاً لاستنباطها(2)» ثم فصّل ـ رحمه الله ـ منهجه قائلاً: «وبدأت في ذلک بإسناد الکافي، فجرّدتها عن متونها، ورتّبتها علي شيوخ المصنّف ـ قدس سرّه ـ المذکورين في أولها، حسب ترتيبهم في حروف أسماءهم أو کناهم علي النهج المعروف، ثم علي شيوخ شيوخه کذلک، وهکذا إلي أن ينتهي إلي المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ والغالب إنهاء السند إليهم ـ عليهم السلام ـ في سطر واحد.

وإذا کان الراوي عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ عبّر عنهم ـ عليهم السلام ـ بما هو المتعارف عند العامّة ذکرته کما ذکره، لإشعاره بکونه عامياً.

وقدّمت في غير شيوخ المصنف الأسماء علي الکني، والکني المبدوءة بالأب علي ما بدء بالابن، وهي علي الألقاب والنسب، وهي علي المبهمات.

وعلّقت علي کل موضوع فيه إجمال أو اعتلال ما يفسّر الأول ويبين الصواب في الثاني، وأضفت إلي ذلک ما سنح بخاطري من الفوائد، ولم اقتصر في تعليقاتي علي ذکر المعلومات فقط، بل أذکر الاحتمالات أيضاً، إذ لعلّ الطالب الناظر فيها يجد فيها شاهداً علي نفي أو إثبات(3)».

وانطلاقاً من هذا الموجز نستطيع أن نفصّل «منهج التأليف» في النقاط التالية:

1ـ الجرد التام لأسانيد الکافي

لم يتّخذ الکليني ـ قدس سرّه ـ في کتابه الکافي لذکر السند طريقة واحدة، بل تفنّن فيه ـ إن صحّ التعبير ـ وذکره تارة صريحاً، واخري معلّقاً، وثالثة ذيل سنداً بسند آخر، کما ضمّن مجموعة کبيرة من الأسانيد أکثر من طريق.

وعملية الجرد التام تستلزم تکميل المعلّق وتکميل الذي جاء في ذيل سند آخر، وتفريق الطرق بعضها عن بعض وغير ذلک.

وبقليل من الفحص والتتّبع نعرف أنّ أسانيد الکليني ـ رحمه الله ـ في الکافي قد جاءت علي أنواع، نذکرها في يلي:

1ـ الأسانيد المفردة، وهي التي ذُکر فيها طريق واحد، وهذه يتمّ تجريدها بسهولة.

2ـ الأسانيد المقرونة، وهي التي ذکر فيها أکثر من طريق، وهذه لا يتمّ تجريدها ـ غالباً ـ إلا بالاستعانة بالأسانيد المفردة، أو بالاستعانة بالطرق إلي مصنّفات الرواة التي ذکرت في کتب فنّ الرجال.

3ـ الأسانيد المعلّقة، وهي التي لم تبدأ باسم واحد من شيوخ الکليني، بل تبدأ ـ غالباً ـ باسم الواسطة الثانية أو الثالثة من السند، وأحياناً باسم الواسطة الرابعة أو ما بعدها، وذلک اعتماداً علي السابق عليها. ويتمّ تجريد المعلّق بتحديد المعلّق عليه وتکميله به.

4ـ الأسانيد المبدوءة بـ «عنه»، يتمّ تجريدها بتعيين مرجع ضمير «عنه،، ليکتمل السند، ومرجع الضمير قد يکون واحداً من شيوخ الکليني، وقد يکون الواسطة الثانية، وقد يکون الواسطة الثالثة فما بعد.

5ـ الأسانيد المبدوءه بعبارة «وبهذا الإسناد»، ويتمّ تجريدها بتعيين المشار إليه، ليکتمل السند، والمشار إليه ـ غالباً ـ يکون أکثر من واسطة ومذکور في السند السابق.

6ـ الأسانيد الذيلية، وهي التي تذکر ذيول الأحاديث، وتضمّ الوسائط الاولي من السند، ومنتهية بکلمة «مثله» أو «نحوه»، ويتمّ تجريد هذا النوع بتکميل ما نقص من وسائطه اعتماداً علي سند الحديث المذيل به.

7ـ الأسانيد المبدوءة بـ «عدّة من أصحابنا».

لقد ابتدأ الکليني مجموعة من الأسانيد بعبارة: «عدّة من أصحابنا»، وهي کما يلي:

1ـ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي.

وقد نقل النجاشي عن الکليني في تفسير هذه العدّة قوله: «کل ما کان في کتابي: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي» فهم: محمد بن يحيي، وعلي بن موسي الکميذاني، وداود بن کورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم(4)».

2ـ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد. وقد نقل العلامة عن الکليني في تفسير هذه العدّة قوله: «کل ما ذکرت في کتابي: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي» فهم: علي بن إبراهيم، وعلي بن محمد بن عبدالله ابن بنته(5)، وأحمد بن عبدالله ابن ابنه(6)، و علي بن الحسين(7)»

3ـ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد.

ونقل العلامة أيضاً عن الکليني في تفسير هذه العدّة قوله: «کل ما ذکرت في کتابي: «عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد» فهم: علي بن محمد بن علان، ومحمد بن أبي عبدالله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الکليني»(8).

4ـ عدة من أصحابنا عن غير هؤلاء الثلاثة.

لقد روي الکليني ـ رحمه الله ـ عن تسعة أشخاص ـ غير هؤلاء الثلاثة ـ بتوسط العدة، وقد ذکرهم سيدنا المؤلف ـ قدس سرّه ـ قائلاً: «إنّ العدّة المتوسطة بينه وبين «إبراهيم بن إسحاق» هم: الحسين بن الحسن العلوي، وعلي بن محمد بن أبي القاسم ما جيلويه، ومحمد بن الحسن، أو هم مع: علي بن محمد الکليني أيضاً.

وعدّة جعفر بن محمد الکوفي هم: الحسين بن محمد الأشعري، وعلي بن محمد الکليني، ومحمد بن يحيي.

وعدّة سعد بن عبدالله: علي بن محمد، ومحمد بن يحيي.

وعدّة صالح بن أبي حماد هم: الحسين بن الحسن العلوي، والحسين بن محمد الأشعري، وعلي بن محمد الکليني، ومحمد بن الحسن.

وعدّة علي بن الحسن بن فضال هم: أحمد بن محمد العاصمي، وعلي بن محمد الکليني، ومحمد بن يحيي.

وعدّة محمد بن عبدالله، والظاهر أنّه ما جيلويه ابنه علي بن محمد، ومحمد بن يحيي.

وأما العدّة عن علي بن أسباط فسيأتي أنّه سقط رجل بين العدّة وبين علي بن أسباط، فلعل الساقط هو أحمد البرقي، أو سهل، أو غيرهما، فالعدّة هي عدته.

وأما علي بن الحسن بن صالح، والحسين بن الحسن فلا علم لي لا بأشخاصهما ولا بعدّتهما، والظاهر أنّه وقع فيهما التصحيف(9)».

هذا وقد خصّص سيدنا المؤلف ـ قدس سرّه ـ فصلاً من الکتاب لذکر الأسانيد المبدوءة بـ«عدة من أصحابنا».

8ـ الأسانيد المبدوءة بـ «بعض أصحابنا» وقد جاءت في الکتاب بعد أسانيد العدّة.

9ـ الأسانيد المدوءة بـ «وفي رواية» أو بـ «وفي حديث» وما شاکل، وقد جاءت في الکتاب بعد أسانيد «بعض أصحابنا».

10ـ مراسيل بصورة الأسانيد

جاءت عشرة مراسيل في نهاية الکتاب وعنوانها: «في الروايات المبدوءة أسانيدها برجال لم يأخذ المصنّف ـ رحمه الله ـ عنهم، بل ولم يدرک زمانهم، فهي مراسيل بصورة الأسانيد».

هذه هي المجموعات التي تمّ تجريدها عن متونها في هذا المنهج.

2ـ الاستقصاء التام لأسانيد شيوخ الکليني

إنّ استقصاء أسانيد کل شيخ من شيوخ الکليني يتوقّف علي معرفة اسمه وکنيته ولقبه وانتسابه، لأنّ الکليني ـ قدس سرّه ـ کان قد عبّر عن مشايخه، تارة بأسماءهم، واخري بکناهم، وثالثة بألقابهم وانتسابهم. کما عبّر ـ رحمه الله ـ عن بعض شيوخه بعناوين مجملة، قد يشترک فيها أکثر من واحد.

ولهذا السبب کانت عملية الاستقصاء هذه من أصعب العمليات في هذا المنهج.

وقد استقصي سيدنا المؤلّف ـ قدس سرّه ـ في هذا المنهج أسانيد کل شيخ، وذکرها تحت عنوان اسمه، مع غضّ النظر عن تعبير الکليني، وبهذا قد فصّل المجمل وميز المشترک منها.

3ـ ترتيب أسانيد شيوخ الکليني

انّ لترتيب الأسانيد في هذا المنهج دور کبير في إتقان المنهج وإحکامه، لأنّ الباحث يستعين في معرفة بعضها ببعضها الآخر، ويستشهد علي تفصيل المجمل منها بما جاء مفصّلاً فيها.

وکان سيدنا المؤلف ـ قدس سرّه ـ قد رتّب أسانيد کل شيخ حسب شيوخه، وهکذا حتي نهاية السند، وذلک کما يلي:

الف: تقديم الأسماء علي الکني، فلو عبّر الکليني في إحدي الأسانيد عن أحد الرواة باسمه، وعبّر في سند آخر عن راو آخر بکنيته، وکان السندان متحدّين في الواسطة، قدّم من جاء باسمه علي من جاء بکنيته، حتي لو کان اسم صاحب الکنية في ترتيب الحروف مقدّماً علي الاسم المصرّح به.

وکذا لو عبّر عن الشخص الواحد في سند باسمه وفي سند آخر بکنيته، واتّحد السندان، فرّق بينهما، وذکر السند المصرّح فيه بکنيته في باب الکني.

ب ـ تقديم الکني علي الألقاب والأنساب، وقد قدّم من جاء بکنية «الأب» علي من جاء بکنية «الابن»، وهما علي من ذکر باللقب أو النسب.

ج ـ تقديم من جاء باللقب أو النسب علي من أبهم عنه في التعبير، والإبهام في التعبير مثل: «عن بعض أصحابنا» و «عن رجل» و «عمن حدْثه» و «عمن ذکره» و ما شاکل.

4ـ تحديد الأسانيد المعلولة والتعليق عليها

لقد ذکرنا في فصل «سبب التأليف» أنواعاً من العلل الواقعة في الأسانيد، وفصّلنا ما طرأ عليها من التصحيف والقلب والزيادة والنقص.

لقد اتّخذ السيد المؤلف طريقة بديعة في تحديد هذه الطائفة من الأسانيد، إنّه ـ رحمه الله ـ قد رتّب الأسانيد أولاً ثم استعان بالمتيقّن من سلامته في معرفة المعلول منها.

إنّه ـ رحمه الله ـ لم يقتصر علي وصف السند بأنّه معلول، بل حدّد فيه محلّ العلة بالضبط، إنّه ذکر السند المعلول في محلّه من الترتيب ثم علّق عليه ـ مثلاً  ـ بأنّ «رواية فلان عن فلان مرسلة»، أو أنّ هذا تصحيف وصوابه کذا، وهکذا.

5ـ تحديد الأسانيد التي روت فيها العامّة

لقد نقلنا عن المؤلف ـ رحمه الله ـ في بدايات هذا الفصل أنّه قال: «وإذا کان الراوي عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ عبّر عنهم ـ عليهم السلام ـ بما هو المتعارف عند العامة ذکرته کما ذکره کما ذکره لإشعاره بکونه عامياً(10)».

إنّ العامة يعبّرون عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ بأسماءهم ومن دون تحية، وکان السيد المؤلف ـ رحمه الله ـ قد لحظ هذا في بعض الروايات، فعمد علي إبقاء هذه التعبيرات علي حالها، ليتمکّن الباحث من معرفة هذه الطائفة من الأحاديث.

………………………………………………………………………………………

1- أي فيما فوقه في الطبقة وشيوخه الذين روي عنهم.

2- ترتيب أسانيد الکافي، ص 108.

3- ترتيب أسانيد الکافي، ص 109.

4- رجال النجاشي، ص 378.

5- في المصدر: «بن اذينة»، وهو تصحيف.

6- في المصدر: «بن امية»، وهو تصحيف.

7- خلاصة الأقوال، ص 272، وفيه «علي بن الحسن»، وقد نبّه السيد المؤلّف ـ قدس سره ـ في مقدمته للکتاب علي أنّ «علي بن الحسن» تصحيف، وصوابه: «علي بن الحسين» وهو السعدآبادي المؤدب، راجع ترتيب أسانيد الکافي، ص 123.

8- خلاصة الأقوال، ص 272.

9- ترتيب أسانيد الکافي، ص 123.

10- ترتيب أسانيد الکافي، ص 109.

 

 

 

پاسخی بگذارید