مقرّر: سيّد عبدالرّسول شريعتمداري جهرمي
به اهتمام سيد حسن فاطمي
نوشتهاي را كه پيش رو داريد، بخشي از تقريرات درس خارج بحث قضاست كه توسط حضرت آيةاللّه سيّد حسين بروجردي، حدود يك سال پيش از رحلت، بيان شده و توسط آيةاللّه سيّد عبدالرّسول شريعتمداري جهرمي به رشته تحرير در آمده است.
آيةاللّه بروجردي در اين مباحث، مطالب سودمند فراواني را مطرح كرده است كه پس از برقراري نظام جمهوري اسلامي، كارآيي فراوان دارند. چنان كه معظّم له ثابت كرده است كه لازم نيست قاضي مجتهد باشد. از جمله مباحث مطرح در اين نوشتار عبارت است از: احتياج منصب قضا به جعل، نفوذ حكم قاضي، صفات قاضي، حكم صادر از غير منصوب، منافع مالي قاضي (هديه، رشوه، اجرت، ارتزاق از بيتالمال) جواب مدّعي عليه (اقرار، انكار)، تعريف مدّعي، حكم حاكم به مجرد اقامه بيّنه، رجوع منكر از انكارش و… .
بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين
اعلم أن المتعارف عند قدماء الأصحاب، ذكر مباحث القضاء في ضمن كتاب الإمامة، كالعامّة حيث كانوا يعنوِنون كتاب الإمامة و يتعرّضون في ضمن أبحاثها لأحكام القضاء. لكن المتأخرين لمّا رأوا كثرة فوائده من حيث المسألة الفرعيّة أفردوه بالبحث عنه مستقلاً في الكتب الفقهيّة.
و كان البحث عن فروعه في الأزمنة السالفة و طرح مسائله معمولاً عندهم(1) عند امتحان
الأُستاذ لتلاميذهم و اختبار حالهم في تشخيص الوصول لدرجة الاجتهاد.
علي كلٍّ فقبل الشروع في مباحثها نقدّم أُمورا:
الأوّل: احتياج منصب القضاء إلي الجعل
إنّ الأُمور علي ثلاثة أقسام:
منها: ما يستقل الإنسان بإيجاده و لايحتاج إلي غيره؛ كالعبادات و الإيقاعات؛ نحو: العتق و الطلاق و الوصيّة؛ علي ما هو التحقيق من عدم اعتبار رضا الموصي له في انعقاد الوصيّة و تحقق استحقاقه للموصي به بمجردها.
و منها: مايحتاج في تحققه إلي غيره؛ كالعقود؛ مثل البيع و نحوه؛ إذ المشتري ما لم يقبل إيجاب البائع لم يتحقق البيع. و هذا هو الفارق بين العقد و الإيقاع؛ لا مايقال من كون الفرق بينهما بالجعل و أنّ ما جعله الشارع عقدا فهو عقد و ما جعله الشارع إيقاعا فهو كذلك.
و منها: مايحتاج تحققه إلي الجعل؛ كالولايات و منها منصب القضاء؛ كما يدلّ عليه قولُه تعالي: «يا داودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ فَاحكمْ بين الناسِ بالحقّ…».(2) و قول علي7: «بعثني رسول اللّه9 إلي اليمن قاضيا».(3)
الثاني: القضاء و نفوذ حكم القاضي
إن القضاء عبارة عن الحكم بين المتنازعين في مال أو غيرِه و فصلِ خصومتهما فيه و لاإشكال في ثبوت ذلك في الشريعة الإسلاميّة و أنّه إذا حكم القاضي لأحدهما علي الآخَر يكون حكمه
نافذا فيجب عليهما و علي غيرهما اتباعُ حكمه و ترتيبُ أثر الواقع عليه في مرحلة الظاهر. ولايبعد أن يكون الشارع المقدسُ إنما جعله علي عباده لئلاّ يستمرّ الخلاف و الخصومة بينهم؛ فيؤدّي ذلك إلي الفُرقة و التنازع و قطعِ التعاون بينهم.
و قد استدل الشيخ قدس سره في المبسوط(4) علي ثبوته بآيات: منها الآية المتقدّمة. و منها قوله تعالي:
إنّما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلي اللّه و رسولِه ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطَعنا وأُولئك هم المفلِحون.(5)
و قولُه تعالي:
إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل … .(6) و قولُه تعالي:
فلا و ربِّك لايؤمنون حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت و يسلّموا تسليما.(7)
و قوله تعالي:
…فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم و إن تُعرض عنهم فلن يضرّوك شيئا و إن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ اللّه يحبّ المقسطين.(8)
و قوله تعالي:
و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث… .(9)
إلي غير ذلك من الآيات.(10) ولكنّه يشكل بأنّ المشاجراتِ الواقعة بين الناس تارة تكون من جهة الاشتباه في الحكم الكلّي الواقعي أو الظاهري و تارة تكون من جهة الاشتباه في الموضوع
الخارجي مع التسالم علي حكمه الكلّي؛ كما إذا تنازعا في كون هذا المال له أو لزيد. و المقصود بالبحث في كتاب القضاء هو الثاني و هذه الآيات غير شاملة له؛ لأنّها ناظرةٌ إلي القسم الأوّل إلاّ أن يتمسّك للعموم بقوله تعالي: «أن تحكموا بالعدل» (النساء (4) الآية: 58). و قوله: «فاحكم بين الناس بالحق» (ص (38) الآية: 26): بدعوي أن المراد منها الحكم علي طبق الموازين العادلة المقرّرة لفصل الخصومات. فهي أعم ممّا كان لاشتباه الحكم أو الموضوع.
وكيفما كان؛ فلا إشكال في أن من أحكام الإسلام الثابتة مشروعيّة القضاء و أنّه إذا حكم القاضي بين المتخاصمين يكون حكمه نافذا عليهما و علي غيرهما؛ فيجب ترتيب الأثر علي حكمه بتنزيله منزلة الواقع و لكن هذا التنزيلَ إنما هو بحسب الحكم الظاهريِّ دون الواقعيِّ؛ إذ الحكم لايوجب تغييرَ الواقع عمّا هو عليه فلو كان المحكوم له غيرَ مستحق يحرم عليه واقعا ترتيب الأثر علي الحكم و يكون آثما و معاقبا عليه عنداللّه تعالي؛ كما قال9 في الحديث المتفق عليه بين الفريقين:
إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان و بعضكم ألحن بحجّته من بعض و أيّما رجل قطعت له من أخيه شيئا فإنّما قطعت له قطعةً من النار.(11)
و في التفسير المنسوب إلي العسكريِّ7 قال:
كان رسول اللّه9 يحكم بين الناس بالبيّنات و الأيمان في الدعاوي؛ فكثرت المطالبات و المظالم؛ فقال رسول اللّه(ص): يا أيّها الناس! إنّما أنا بشر و إنّكم تختصمون و لعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض و إنّما أقضي علي نحو ما أسمع منه؛ فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذنّه فإنّما أقطع له قطعة من النار.(12)
و نحوه المحكي عن كتب العامّة؛ كما في الخلاف و البداية. و هذا ممّا لاخلاف فيه بين الخاصّة و العامّة. نعم؛ حكي عن أبي حنيفة في بعض فروع الطلاق و النكاح إنه قال: بأن حكم الحاكم نافذ واقعا.(13)
إنّه إذا شهد شاهدا زور في امرأة أجنبيّة أنها زوجة رجل أجنبي تحلّ له ظاهرا و باطنا قياسا علي مسألة اللعان.
و في في المسألة الثامنة من كتاب القضاء؛ إنه قال:
إن حكم بعقد أو رفعه أو فسخه وقع حكمه صحيحا في الظاهر والباطن و أصحابه يعبّرون عنه بكل عقد صح أن يبتداه أو يفسخاه. فإذا ادّعي أن هذه زوجتي و أنكرتْ فأقام شاهدين بذلك حكم بها له وحلّت له في الباطن حتي لو كان لها زوج بانت منه وحرمت عليه. وإذا ادّعت المرأةُ أنّ زوجَها طلَّقها ثلاثا و أقامت به شاهدين فحكم بذلك بانت منه ظاهرا و باطنا و حلّت لكلّ أحد أن يتزوّجها حتّي لنفس الشاهدين؛ و إن كانا يعلمان أنهما شهدا زورا.
سبحانَ اللّه! فياللّه و للقياس! كيف تلاعب بأحكام اللّه و أحلّ الحرمات و حرم المحللات و لقد صدق إمامنا الصادق(ع): السنّة إذا قيست مُحق الدّين (، ج 27، ص 41).
و أعجب من ذلك، ما حكي في عن أبي حنيفة في مسألة الحيلة من كتاب الطلاق: إنه جوّز التشبّث بالحرام للتوصل إلي المباح. فقد حكي عن ابن المبارك عن أبي حنيفة:
إنّ امرأة شكتْ إليه زوجَها، فآثرت فراقه. فقال لها: ارتدّي. فيزول النكاح. (ج 4، ص 491).
الثالث: متولي أمر القضاء
إنّ منصب القضاء جليل لا يكون ثابتا في الإسلام إلاّ لنبيّ أو وصي نبيّ؛ كما قال أميرالمؤمنين(ع) لشريح: «يا شريح! قد جلست مجلسا لايجلسه إلاّ نبيٌّ أو وصي نبي أو شقيٌّ».(14)و في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبداللّه7 قال: «اتقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي».(15)
وجه ذلك أنّ نفوذَ الحكم الصادرِ من أحد من الناس علي المتداعيين و وجوب قبوله و اتباعِه عليهما لايكون له وجه و موجبٌ إلاّ إذا كان للحاكم مرتبةُ الإمامة و السلطنةِ المجعولة له من قبل اللّه تعالي علي المتداعيين حتي يجبَ عليهما طاعته و يحرم مخالفتُه شرعا و إلاّ فجميع الناس في ذلك علي حدّ سواء، حتي لو فرض كون الحاكم أرجحَ في العلم و الفضيلة؛ إذ مجرّد ذلك لايقتضي وجوبَ الإطاعة حتي ينفذ عليهما حكمُه و يحرمَ عليهما نقضه؛ بل: يقال إنّ الحكم أوّلاً و بالذات إنّما كان للّه تعالي بمقتضي وجوب طاعته؛ كما قال تعالي: «و ما اختَلفتُم فيه من شيءٍ فحكمُهُ إلي اللّه…»(16) و قال تعالي: «قل اللهم فاطرَ السمواتِ و الأرضِ عالم الغيب و الشهادةِ أنت تحكُمُ بين عبادِك في ما كانوا فيه يَختلفون».(17)
وإنّما كان حكم النبيّ و الوصيّ نافذا و طاعتُهما واجبةً لأجل كونهما خليفة اللّه في الأرض؛ كما قال تعالي: «يا داود إنّا جَعلناك خليفةً في الأرضِ فاحكُمْ بينَ الناسِ بالحق…».(18)
وبالجملة؛ مقتضي الأصل أن لايكون حكم أحد علي غيره نافذا إلاّ إذا كان الحاكم مجعولاً من قبل اللّه تعالي؛ كالنبيّ و الوصيّ حيث ثبت ذلك في حقهما نصا أو إجماعا؛ بل يدلّ عليه الآية
المتقدّمة؛ لأنّ مقتضاها كونه ثابتا في حق كلّ من كان خليفةَ اللّه تعالي.
هذا؛ و لكنّ ربّما كان النبيّ و الوصيّ(ص) بمقتضي أمامتهما و سلطنتهما العامّةِ ينصبان أحدا من المسلمين لتولي القضاء في البلاد البعيدة و غيرها؛ كما قيل: «إن رسول اللّه9 بعث معاذ بن جبل قاضيا إلي اليمن».(19) و كذا روي في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبداللّه(ع)؛ قال: «لمّا ولّي أميرالمؤمنين(ع) شريحا القضاء و اشترط عليه ألاّ ينفّذ القضاء حتّي يعرضه عليه».(20)و من ذلك أنّهم: نصبوا فقهاء الإمامية و رواتِهم لهذا المنصب كما قال(ع) في مقبولة عمر بن حنظلة:
انظروا إلي من كان منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما؛ فإني قد جعلته عليكم حاكما… .(21)
بل المستفاد من كتاب أميرالمؤمنين(ع) إلي الأشترحين ولاّه مصر أنّ للوالي المبعوث عن الإمام أن ينصب أيضا للقضاء؛ حيث قال: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لاتضيق به الأُمور»(22) إلي آخر ما ذكره(ع) في صفات القاضي.
و لاينافي ذلك ما ذكرناه أوّلاً من اختصاص الحكم بالنّبي و الوصيّ؛ لأنّ تولّيَ الغير لمّا كان بواسطة نصبهما إيّاه لذلك كان نفوذ حكمه منتهيا إلي نفوذ حكمهما؛ لأن تولّيَه حينئذ يكون من قبيل النيابة أو الخلافة عنهما فيه. فكما أنّ ثبوته لهما لاينافي ما ذكرناه من اختصاصه باللّه تعالي ـ لصريح الآيات المتقدّمة لأنّ ثبوته لهما إنّما كان بتشريع منه تعالي و جعلهما لذلك ـ فكذا بالنسبة إلي المتولّي المنصوب عنهما. و هكذا الكلام فيما ذكرناه من جواز نصب القاضي للوالي المبعوث علي ما هو المستفاد من كتاب أميرالمؤمنين7 المذكور آنفا.
ومحصّل ما ذكرنا أنّ الحكم بين الناس و نفوذه علي المتداعيين إنّما هو من شؤون الإمامة و السلطنة الّتي تقتضي وجوبَ الإطاعة و حرمة المعصية و إلاّ فمقتضي الأصل عدم كون حكم أحدٍ نافذا علي الغير إلاّ إذا كان حكمه مستندا إلي نصبِ مَن كان له السلطنة؛ كالإمام المنصوبِ من قبل اللّه تعالي و الوالي المنصوبِ من قبل الإمام و القاضي المنصوبِ من قبل الوالي؛ كما يدلّ عليه الروايتان المتقدّمتان. بل يدلّ عليه أيضا قضيّة اشتراط الأمير(ع) علي شريح؛ فإنّه لولم يكن نفوذ الحكم مشروطا بنفسه لم يكن وجهٌ لاشتراط ترك التنفيذ عليه.
ويدلّ عليه أيضا مضافا إلي ذلك، الخبرُ المرويُّ عن دعائم الإسلام عن أميرالمؤمنين(ع)؛ إنه
قال: «لا يصلح الحكم و لاالحدود و لاالجمعة إلاّ بإمام».(23) و المرويُّ عن الجعفريات عنه7: «لايصلح الحكم و لا الحدود و لاالجمعة إلاّ بإمام».(24) و في النبوي: «إنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين».(25)
صفات القاضي
القاضي المنصوب
قد تبيّن ممّا ذكرنا أنّه يشترط في صحة القضاء الصادر عن غير الإمام و نفوذِه أن يكون منصوبا عن الإمام لذلك. فلا اعتبار بالقضاء الصادر عن غير المنصوب في غير قاضي التحكيم.
وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الخاصّة و العامّة و إنّما الخلاف في المراد من الإمام الّذي يكون نصبه معتبرا. فإن الإماميّة يعتقدون أنه المنصوب عن اللّه ـ عزّوجلّ ـ للإمامة و الخلافة و هم الأئمة الإثني عشر ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ الّذين هم أوصياء النّبي(ص) بنص منه عليهم.
و أمّا العامّة فإنّهم جوّزوا إمامة الخلفاء و الأُمراء الظاهريين و هذا راجع إلي البحث عن مسألة الإمامة و قد استوفي الكلام فيه في محله و يكفي في ردّهم هنا التمسّك بالأصل؛ إذ مقتضاه ـ كما بيّنا ـ أن لا يكون لأحد من المسلمين سلطنةٌ شرعيّة علي غيره حتي يجب عليهم طاعته و ينفذ في حقهم حكمه. فإذا ادّعيت لأحد فلابدّ من إثباتها بالدليل القاطع و هو هنا منفيٌّ إلاّ دعوي التمسّك بقوله تعالي: «…أَطيعوا اللّهَ و أَطيعوا الرسولَ و أُولي الأمر منكم…».
لكنّها مدفوعة بأن هذا ممّا تنازع الفريقانِ في المراد منه؛ فيجب ردّه إلي الرسول(ص)؛ لقوله تعالي بعد ذلك: «… فإن تَنازعتُم في شيء فَرُدّوه إلي اللّهِ و الرسول إن كنتُم تؤمِنون باللّهِ و اليومِ الاخِر…».(26) و قد بيّنه(ص) بأنهم أهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.
هذا؛ بل المستفاد ممّا ورد عن أهل البيت: أنه مع قطع النظر عن نفوذ الحكم يحرم نفس التحاكم إليهم:
قال عمر بن حنظلة: سألت أبا عبداللّه(ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحا كما إلي السلطان و إلي القضاة أيحل ذلك؟ قال:
من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلي الطاغوت و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقا ثابتا له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمراللّه أن يكفر به. قال اللّه تعالي: «… يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به …».(27) قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم… .(28)
فإنّ قوله(ع): «في حق أو باطل» و قولَه(ع): «و إن كان حقا ثابتا له» صريحان في أن المنع عن التحاكم إليه ليس لأجل أنه يحكم بالجور بل لأجل وجوب التجنّب عنه مطلقا(29) حيث إنه تصدي لهذا المنصب الجليل الّذي لايتصداه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ بغير سلطان من اللّه و رسوله و لذلك قد سُمّي طاغوتا.
و ربّما يتوهم أن المستفاد من بعض الآيات و الروايات أنه يصح لكلّ مؤمن أن يحكم بالحق و العدل؛ فلا يشترط فيه النصب من الإمام العادل و هذا:
كعموم قوله تعالي: «… و إذا حَكمتُم بين الناسِ أَن تحكمُوا بالعدلِ …»؛(30) فإنه شامل لكل أحد من المنصوب و غيره.
و قوله تعالي: «يا أيها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه…».(31)
و قوله تعالي: «يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداءَ بالقسطِ و لايَجرِمَنّكم شَنآنُ قومٍ علي أَلاّ تعدِلوا اعدِلوا هو أقربُ للتقوي…».(32) قال في الكشاف: «قوّامين بالقسط» يعني مجتهدين في إقامة العدل حتي لاتجوروا.
و مفهوم قوله تعالي: «… و مَن لم يحكُم بما أَنزلَ اللّهُ فأولئكَ هُم الفاسقون أو الكافِرون أو الظالمون».(34)
و في مرفوعة البرقي عن أبي عبداللّه(ع):
القُضاة أربعة، ثلاثة في النار و واحد في الجنّة: رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار؛ و رجل قضي بجور و هو لايعلم فهو في النار؛ و رجل قضي بالحقّ و هو لايعلم فهو في النار؛ و رجل قضي بالحق و هو يعلم فهو في الجنّة.(35)
و في رواية أبي بصير: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه ـ عزّوجلّ ـ فهو كافر باللّه العظيم».(36)
و في رواية معاوية بن وهب؛ قال(ع): «أيّ قاض قضي بين اثنين فأخطأسقط أبعد ما بين السماء».(37)
المستفاد من التقييد بالخطأ أو ب·· «غير ما أنزل اللّه» عدم الحظر فيما إذا حكم بالصواب.
و في رواية أُخري لأبي بصير عن أبي جعفر(ع) قال:
الحكم حكمان: حكم اللّه و حكم الجاهلية. و قد قال اللّه ـ عزّوجلّ : «و من أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون» و أشهد علي زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.(38)
هذا؛ و لكنّه مضافا إلي ما في الجواهر(39) من جواز تقييدها بالأدلة المتقدمة المصرحة باشتراط النصب(40)
فتكون هذه النصوص واردةً في حق من اجتمع فيه شرائط القضاء. إنّ الحكم المبحوث عنه فيما نحن فيه هو ما يترتب عليه النفوذ شرعا و وجوب اتّباعه و حرمة نقضه. كما يستفاد ذلك مما أُشير إليه في بعض الروايات؛ منه صحيحة هشام المتقدمة الدّالة علي اشتراط ترك التنفيذ علي شريح و في رواية النميري عنه(ع): «ينظر إلي أعدلهما و أفقههما في دين اللّه ـ عزّ و جلّ ـ فيمضي حكمه».(41) و في رواية داود بن الحصين: «فينفذ حكمه».(42)
بالجملة؛ المراد بالحكم هنا هوالّذي يجب علي المتنازعين اتّباعه لأجل سلطنة الحاكم و أما المذكور في الآيات و الروايات المتقدمة فلا يبعد أن يكون المراد منه نفسَ الحكم بالحقّ من غير ملاحظة اتّباعه علي أحد؛ فيشمل ما نحن فيه و غيرَه من الفتاوي الصادرة عن الفقهاء أو بيانِ الأحكام من المبلغين و غيرهم. غاية الأمر إنما يجب في مثل ما نحن فيه اتّباعه لأجل سلطنة الحاكم المجعولةِ له ممّن يجب طاعته و يحرم معصيته؛ كما تقدم بيانه. و هذا جارٍ بالنسبة إلي غيره و إن كان ربما يجب اتّباعه أيضا؛ كما إذا أفتي بحكم شرعي فوثق الجاهل بقوله و لكنّه ليس لأجل سلطنته بل لأجل اطّلاع الجاهل بحكم اللّه تعالي.
هذا كلّه في القاضي المنصوب الذي يجب الترافع إليه.
قاضي التحكيم
وأمّا قاضي التحكيم ـ و هوالّذي تراضي به الخصمان و جعلاه بينهما ـ فهل يكون حكمه كالقاضي المنصوب نافذا بحيث يجب عليهما اتّباعه و يحرم نقضه أم لا؟
فيه خلاف بين الخاصّة و العامّة. فالمحكيُّ عن مالك ـ كما في البداية ـ جوازه كأحد قولي الشافعي و عن أبي حنيفة إنه يجوز إذا وافق حكمه حكمَ قاضي البلد. و الظاهر أن مراده من حكم قاضي البلد هو ما لورجعا إليه لكان يحكم به و فيه أنّ هذا لايصح إطلاق «الحكم» عليه. قال
الشيخ في الخلاف:
إذا تراضي نفسان برجل من الرعيّة يحكم بينهما و سألاه الحكمَ بينهما كان جائزا بلاخلاف فإذا حكم بينهما لزم الحكم و ليس لهما بعد ذلك خيار.
و للشافعيّ فيه قولان: أحدهما: أنّه يلزم بنفس الحكم ـ كما قلناه ـ والثاني: يقف بعد إنفاذ حكمه علي تراضيهما؛ فإذا تراضيا بعد الحكم لزم.
دليلنا إجماع الفرقة علي أخبار رووها: «إذا كان بين أحدكم و بين غيره خصومة فلينظر إلي من روي أحاديثَنا و علم أحكامَنا فليتحاكما إليه و لأنّ الواحد منّا إذا دعا غيره إلي ذلك فامتنع منه كان مأثوما». فعلي هذا إجماعهم و أيضا ما روي عن النبي9: «أنه قال: من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فعليه لعنة اللّه…».(43)
و الظاهر أنّ مراده من الجواز هو التكليفي بقرينة دعواه أوّلاً نفيَ الخلاف فيه ثم نقل الخلاف في اللزوم عن الشافعي و بقرينة استدلاله أخيرا علي اللزوم في مقابل الشافعي بجواز الترافع. فعلي هذا ليس في كلامه تصريح بدعوي الإجماع الصريح علي نفوذ الحكم.
و كيفما كان؛ فهذا الحكم و إن كان مشهورا بين المتأخرين بل في الجواهر (44) حكاية الإجماع عليه عن بعضهم. ولكنّه محل إشكال؛ لعدم ما يصلح دليلاً عليه بعد كون المفروض أنّ مقتضي الأصل هو عدم النفوذ. أما النبوي المذكور فهو عاميٌ قاصرُ السند؛ بل ربما يستشكل في دلالته أيضا كما في الجواهر؛ حيث إنّ مفاده هو وجوب العدل و حرمة الجور في الحكم بين المتنازعين. نظير قوله تعالي: «… و مَن لم يحكُمْ بما أَنزلَ اللّهُ فأُولئك هم الظالمون».
و أما أنه إذا حكم بينهما فهو لازم عليهما فالخبر ساكت عنه؛ كما ذكرنا نظيرَه سابقا في الكلام علي الآية و إلاّ لكان الاستدلال بالآية هنا أولي و لعله لذا استدلّ بها لما نحن فيه في كشف اللثام ـ علي ما حكاه عنه في الجواهر(45) ـ و لكنه ضعيف بما ذكرناه سابقا و آنفا بعدم دلالتها علي النفوذ و إلاّ لكان اللازم الحكم بالنفوذ مطلقا لاتخصيصه بقاضي التحكيم. لكن فيه أن التقييد بالتراضي في الخبر مشعر بكون حكمه معه لازما عليهما؛ إذ لو كان المراد منه بيانَ مجرّد وجوب العدل علي الحاكم لم يخصّه بفرض التراضي؛ لعدم اختصاصه به. و بهذا يظهر الفرق بينه و بين الآية المباركة؛ فتأمّل.
و أمّا الأخبار المروية عند الأصحاب ففيها تصريح بالنصب؛ حيث قال عليه السلام: «فقد جعلته عليكم حاكما» كما في المقبولة؛(46) «أو قاضيا»؛ كما في روايتي أبيخديجة(47) فيستفاد منها أن النفوذ إنّما هو لذلك. حتي أن بعضها و إن لم يكن فيها تصريح بذلك و لكنّها قابلة للحمل عليه؛ كرواية أبي بصير عن أبي عبداللّه(ع) قال:
أيّما رجل كان بينه و بين أخ له مماراةٌ في حق فدعاه إلي رجل من إخوانه ليحكم بينه و بينه فأبي إلاّ أن يرافعه إلي هؤلاء كان بمنزلة الّذين قال اللّه ـ عزّ و جلّ: «ألمتر إلي الّذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك و ما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت و قد أُمرو أن يكفروا به…».(48)
و صحيحةِ الحلبي؛ قال:
قلت لأبيعبداللّه7: ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء، فيتراضيان برجل منّا. فقال7: ليس هو ذلك؛ إنما هوالّذي يجبر الناس علي حكمه بالسيف و السوط.(49)
و روايةِ داود بن الحصين عن أبي عبداللّه7 في رجلين اتفقا علي عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين واختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم؛ فقال: «ينظر إلي أفقههما و أعلمهما بأحاديثنا و أورعهما؛ فينفذ حكمه و لايلتفت إلي الآخر».(50) و نحوها رواية النميري.(51)
و بالجملة؛ فهذه النصوص إنّما تدلّ فقط علي جواز الحكم الصادر من الفقيه العدل الإمامي؛ و أما كونه لأجل مجرد التراضي عليه أو لكونه منصوبا من الإمام(ع) فهو غير مفهوم منها؛ فيمكن حملها علي المقبولة و روايتي أبي خديجة الظاهرة في أنه لأجل النصب.
و دعوي أنه لو كان ذلك لأجل النصب لم يحتج إلي التقييد بالرضافي بعض ماتقدم، بل كان حكمه نافذا؛ عليهما مطلقا، مدفوعة بأن التقييد فيها به ليس لإفادة تقييد النفوذ به، بل لأجل أنه إذا كان الحاكم متعددا فلا محالة يكون التراضي بينهما علي أحد قهريا.
و ربما يستدلّ عليه ـ كما عن المسالك ـ بوقوعه في زمن الصحابة مع عدم الإنكار عليه. و
أُورد عليه ـ كما في الجواهر ـ بأنّ فعلهم لاحجّيّة فيه؛ حيث إن الأمر انقلب بعد موت النبي9 حتي صار المنكر معروفا.(52) اللهمّ إلاّ أن يقال: إن التحكيم واقع في الإسلام في الجملة؛ كقضيّة تحكيم سعد بن معاذ في أساري بني قريظة(53) و تحكيم أميرالمؤمنين(ع) أباموسي الأشعري في وقعة الصفين و تحكيم الزوجين عند الشقاق بينهما. فيقال: إنّ النفوذ في هذه المواضع ـ كما يساعده الارتكاز ـ إنما هو لأجل تراضيهما بالنزول علي حكم الغير؛ لأنّ ذلك بمنزلة المعاهدة بينهما بالالتزام بحكمه؛ فربما يشمله دليل «أوفوا بالعقود»؛(54) إذ العقد إنّما هو بمعني العهد أو دليلُ «المؤمنون عند شروطهم»(55) بناءً علي شموله للشروط الابتدائيّة بدعوي أنّ المراد من الشروط هو الالتزام.
و كيفما كان؛ فالظاهر أن البحث عن هذه المسألة غير مفيد؛ لأنّه إن كان القاضي المحكَّمُ واجدا لشرائطه من العلم و العدالة و البلوغ و غيرها، فهو في زمان الغيبة منصوب عن الإمام7 فينفذ حكمه لأجل النصب، و إن لم يكن واجدا لها فهو غير صالح للتحكيم؛ لأنّ شرائطه هي شرائط المنصوب غير النصب من الإمام(ع). إلاّ أن يقال بمنع كون الشرائط المعتبرة في التحكيم هي بعينها الشرائط المعتبرة في المنصوب. و ذلك لأن المستفاد من إطلاق دليل التحكيم أعم؛ حيث إنّ قوله(ع): «من حكم بين اثنين…» شامل لمثل المرأة مثلاً خصوصا إذا كان المتنازعان امرأة و لادليل علي التخصيص، إلاّ قوله(ع): ولا تولّي المرأة القضاء؛(56) ولكنّه خاص بالمنصوب.
تتميم: قد ذكرنا أنّ الفقيه العدل من الإمامية منصوب للقضاء عن الأئمة:؛ لماورد في رواية عمر بن حنظلة المتقدمة. و هي و إن كانت غيرَ نقيّة السند إلاّ أنها معمولٌ بها بين الأصحاب؛ حتي أنها سمّيت بالمقبولة. فقد صرّح فيها أولاً بجعله حاكما عليهم و أكّده بعده بقوله(ع):
فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ و علينا ردّ و الرّادّ علينا الرادّ علي اللّه تعالي و هو علي حد الشرك باللّه… .
و ربّما يقال: إنّ منصب الحكومة أعلي و أوسع من منصب القضاء؛ حيث إنّ القضاء عبارة عن الفصل بين المتنازعين وقطع خصومتهما وأما الحكومة فتشمل هذا وغيره من الأُمور الحسبية؛ كالولاية علي الصغار و المجانين و الحكم علي الناس بالفطر والأضحي و علي المرأة بالتربص أربع
سنين إذا فُقد زوجها، ثم يطلّقها بعد الفحص عنه أو يأمر الوليَّ بطلاقها وعلي الزوج إذا آلي من زوجها إما بالرجوع إليها أو بطلاقها و نحو ذلك مما كان الحكام يتصدّونه في الأزمنة السابقة.(57)
و في رواية أبي خديجة قال:
قال أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق(ع): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور و لكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم؛ فإني قد جعلته قاضيا.(58)
و نحوها روايته الأُخري؛ إلاّ أنّه قال:
بعثني أبوعبداللّه(ع) إلي أصحابنا؛ فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة… اجعلوا بينكم رجلاً ممن قد عرف حلالنا و حرامنا… .(59)
و ربّما يورد عليها بأنّ مفادها إنما هو كون الفقيه منصوبا عن الإمام الصادق(ع) في زمانه؛ فلابدّ من القول بأنّ موته(ع) يوجب عزل من نصبه عن منصبه؛ كما هو الشأن في مثل النيابة و الوكالة عن إنسان و أنّ الفقهاء الموجودين بعده كزمان الغيبة غير ثابت لهم أصلاً.
ولكنّه مدفوع بأنّ نصبه(ع) إنّما كان بعنوان الإمامة للعنوان الكلي الصادق علي من كان في حياته و بعده؛ و مقتضاه استمرار النصب و ثبوته علي الدوام ما لم يعزل هو أو الإمام الذي بعده؛ فإن الأئمة الاثني عشر: كلَّهم بمنزلة شخص واحد و ليس هذا مثلَ ما إذا نصب أحدا في شيء بعنوان النيابة عن شخصه.
و بالجملة؛ فكما أنّ حكمه بالنهي عن الترافع إلي أهل الجور عامٌ لجميع الأزمنة فكذلك النصب الصادر منه(ع). كيف فإن الثانيَ علاج و مندوحة للنهي الأول علي ما هو الظاهر من المقبولة حيث قال عمر بن حنظلة بعد ما سمع النهي أولاً؛ قلت: فكيف يصنعان؟ قال(ع): «انظروا إلي من كان منكم…».
قال في الجواهر(60) ما محصله: إنّ للإمام العدل نصبَ القاضي في الأزمنة المتأخرة عن زمانه؛
فإنّ الزمان بأجمعه لجميعهم و إنّهم معصومون عن الخطأ و إنّهم أولياؤُنا أحياءً و أمواتا. و إنّما ينعزل نوّابهم(ع) بموتهم إذا كانت التولية مقيدة بزمان الحياة؛ و أمّا إذا كانت مبنيّة علي الاستدامة و الاستمرار صريحا أو ظاهرا فلاإشكال في عدم الانعزال. و من هذا القبيل نصب الصادق(ع)؛ فإنه ظاهر بل صريح في كونه علي الاستمرار فيمضي حكمه في زمان الإمام الآخر أيضا المعبّر في الحقيقة عن الأول؛ فإن حكمهم واحد و أمرَهم واحد؛ كما هو معلوم من أُصول الشيعة.
باقي صفات القاضي
قد ذكروا أنه يشترط فيه البلوغ و العقل و الإيمان و العدالة و العلم و الذكورة و طهارة المولد. و قد حكي الاتفاق علي اشتراط هذه السبعة مضافا إلي ماورد من النص الخاصّ في بعضها؛ كالعلم و الذكورة؛ ففي الخبر المتقدّم: «القضاة أربعة ثلاثه في النار و واحد في الجنّة؛ فالذي في الجنة رجل قضي بالحق و هو يعلم».(61) و في وصية النبيِّ(ص): «لاتولّي المرأة القضاء».(62) و في الخبر النبوي: «لن يفلحَ قومٌ أسندوا أمرهم إلي امرأة»؛(63) كما يدل عليه فحوي ما ورد من النهي عن مشاورة النساء و نقصان العقل فيهنّ. و غير ذلك مما يدلّ علي قصورهن عن هذا المنصب الجليل.
و أما الإيمانُ و العدالة فربما يستفاد اعتبارهما من المنع عن التحاكم إلي الطاغوت؛ كما ورد في الروايات تطبيق ذلك علي قضاة العامّة و حكامِهم.
و أمّا اعتبارُ العقل فهو واضح ضروري لعدم شعور المجنون عن تشخيص المحقّ من المبطل.
و أما البلوغ و طهارة المولد فلم يدلّ عليهما شيء بالخصوص إلاّ فحوي ما دلّ علي رفع القلم عن الصبي و أنه لايؤمّن عليه غالبا من الحكم بالجور لعدم الرادع له عن ذلك إلاّ في بعض المعصومين كيحيي(ع) و لكنّه لايصير معيارا لغيره؛ فتأمّل؛ مضافا إلي إمكان دعوي انصراف المطلقات عنه فالأصل عدم الانعقاد له و ما ورد في حق ولد الزنا أنّه لايطهر إلي سبعة آباء(64) و أن نوح النبي ـ صلّي اللّه علي نبيّنا و آله و عليه السلام ـ لم يحمله مع أنه حمل الكلب و الخنزير(65) و أنه لايجوز شهادته؛ و غير ذلك ممّا دلّ علي خسّته و قصورِه عن هذه المرتبةِ الجليلةِ، و يبعد جدا أن يرضي
الشارع بجعل السلطنة له علي المسلمين. هذا إذا لم نقل بكفره؛ و إلاّ فالأمر أوضح.
هذا؛ و عن المبسوط بل عن المسالك نسبته إلي الأكثر اعتبار الحرّيّة؛(66) و لعلّه من جهة كونه موجبا لتفويت حق المولي؛ فتأمّل.(67)
و أما الشرائطُ الأُخري المذكورة في كتب العامّة كالكتابة و البصر فلادليل علي اعتبارها؛ فيرجع إلي الإطلاقات.
بل ربما يقال: إنّ البحث عن شرائط القاضي لايناسب فقه الإمامية. و ما يترائي في كتب الأصحاب من البحث عنه فإنّما هو باعتبار أن العامة قد تعرّضوا لها و ذكروها في كتبهم؛ و ذلك لأنّ القاضيَ عندهم منصوبٌ من قبلَ السلطان الّذي اجتمع الناس علي سلطنته. و هو يُجري الأحكام علي طبق فتاوي الفقهاء فقد أرادوا تعيين وظيفة السلطان في جعل القاضي.
و أما الإماميّة فالقاضي عندهم لابدّ أن يكون منصوبا من قبل الإمام(ع) و هو أعلم بوظيفته في ذلك. و في زمان الغيبة لابدّ من ملاحظة عبارة النصب فيؤخذ بقيوده و إطلاقه؛ ولكن فيه أن المقصود بهذا البحث إنّما هو استكشاف رأي المعصوم(ع) في مقدار الشرائط المعتبرة حتي يقيّد به الكلام المطلق؛ مثلاً قوله(ع) في المقبولة: «انظروا من كان منكم…» شامل للمرأة أيضا ولكنّه يجب تقييده بما تقدم. و ربما تظهر الثمرة أيضا فيما إذا قلنا بجواز نصب الفقيه مقلّدَه للقضاء؛ كما يأتي البحث فيه أن شاء اللّه.
اجتهاد القاضي
ثم إنّ الكلام قد بقي في اشتراط الاجتهاد حيث ادّعي الإجماع عليه. فإن كان المراد اشتراطَ نصب الفقيه الجامع لشرائط الفتوي المحيط بأبواب الفقه و رموزِ الأخبار المروية عن الأئمه: و أنّ غيره ليس أهلاً للنصب فالظاهر أنه غير صحيح لعدم الدليل عليه؛ بل الإطلاقات علي خلافه حيث إنّ المستفادَ منه اعتبار العلم فيما يحكم به؛ بل هذا هو المعلوم من زمن النبي و الوصي ـ صلوات اللّه عليهما ـ حيث إنهم كانوا ينصبون من علم بطائفة من الأحكام الّتي يبتلي بها و يولّونه القضاء فيما كان عالما به، أو في قضايا مخصوصة مع الأمن منه من التعدّي عنها إلي الموارد المشتبهة؛ كما يظهر ذلك من كتاب أميرالمؤمنين(ع) إلي الأشتر المتقدم ذكره. فإنه واضح أن من
كان الأشتريعيّنه في مدينة مصر علي فرض وصوله إليها لم يكن قطعا مثل الفقهاء الموجودين في هذا الزمان في العلم و الإحاطة برموز الفقه و أبوابه؛ بل إنّما كان عنده قضايا معلومة و أحكام ظاهرة تَعلَّمها من أهل بلدة أو سمعها من أصحاب النبي9 أو يلقيها إليه الأشتر بنفسه. و لذا أمره(ع) بأن يتعاهد قضاءه كثيرا.
و إن كان المراد أنّ من وقع له النصب فعلاً في زمان الغيبة و أمثالِهِ هو خصوص الفقيه الجامع فهو صحيح. و ذلك لأنّه المستفاد من المقبولة حيث ذكر فيها جهاتٍ ثلاثة و هي رواية حديثهم و النظر في حلالهم و حرامهم و معرفة أحكامهم. و هذه لاتنطبق إلاّ علي الفقيه القادر علي الاستنباط. و لذا ذكر عمر بن حنظلة في أواخر الخبر: قلت: «فإن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنّة…» و ذلك لأنّ معرفة أحكامهم ظاهرة في معرفة الجلّ و هي تحتاج إلي فهم كلامهم(ع) و ردّ محكمه إلي متشابهه و تمييزِ الحقّ عن التقية. و قد قال(ع): «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معانيَ كلامنا».(68) و قال(ع):
لايكون الرجل منكم فقيها حتي يعرف معاريضَ كلامنا و إنّ الكلمة من كلامنا لتنصرفُ علي سبعين وجها لنا من جميعها المخرج.(69)
و بالجملة؛ فمعرفة الأحكام علي هذا النحو غير خالٍ من إعمال النظر و المرجحات و الجهات الدخيلة في الاستنباط. و هذا و إن كان ربما يوجب الاختلاف بين الناظرين إلاّ أنّه غير قادح في صدق المعرفة بالنسبة إلي جميعهم؛ إذ المراد منها تشخيصُ الحكم و تحصيلُه عند أنفسهم. و لذا فرض في المقبولة بعد فرض المعرفة صورة التحاكم إلي اثنين و اختلافهما فيما حكما؛ فتأمّل.
هذا؛ ولكن ظاهر رواية أبي خديجة الأُولي يفيد كفاية معرفة شيء من الأحكام و لوكان واحدا أو اثنين ولكنه لاتنهض حجة في مقابل المقبولة، بعد كون الظاهر عدمَ التزام الأصحاب به؛ مضافا إلي أنّ روايته الأُخري ظاهرةٌ فيما ذكرناه في المقبولة. و يحتمل كونهما روايةً واحدةً و الاختلاف إنّما جاء من قبل النقل؛ فعليه لايعلم أن الصادر من الإمام(ع) هوالأول أو الثاني.
و أما النصوص الأُخري الدّالّةُ علي نفوذ حكم العدل الإمامي ـ كصحيحة الحلبي و روايتي داود بن الحصين و النميري المتقدمة ـ فهي و إن كانت مطلقة إلاّ أنّه يمكن تقييدها بالقيود المذكورة في المقبولة؛ كما يشعربه قوله(ع) في الأخيرتين: «ينظر إلي أفقههما». فإن المستفاد منه مفروغية
اعتبار الفقاهة في كل منها؛ مضافا إلي ما ذكرناه من أنّ هذه الرواياتِ لادلالة فيها علي كون النفوذ لأجل النصب أو لمجرّد التراضي بينهما عليه؛ إذ علي الاحتمال الثاني يكون من قبيل قاضي التحكيم و لايبعد أن يلتزم بأنه علي القول بصحته يكون القيود المعتبرة فيه أوسعَ مما اعتبر في المقبولة للمنصوب؛ فتدبّر.
تنبيه: قد ظهر ممّا ذكرنا أن نصب غير المجتهد صحيح في نفسه؛ إذ صدر النصب من أهله و كان المنصوب عالما بالأمور الّذي يتولاّه؛ كالقضايا المعلومة ولكن ذكرنا أنّ عبارة النصب في المقبولة لاتشمله. و هل يجوز للفقيه الجامع أن ينصبه فيما ذكر أم لا؟ و هذا مبني علي عموم ولاية الفقيه لمثل ذلك؛ كما اختاره في الجواهر نظرا إلي بعض الأخبار الظاهرة في العموم، كالمقبولة من حيث أوسعية منصب الحكومة؛(70) و كالتوقيع الشريف حيث قال(ع): «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجّة اللّه».(71) حيث إن ظاهره: «إنهم حجتي عليكم في جميع ما أنا حجة اللّه عليكم» و غيرهما من الأخبار الواردة في شأن العلماء.
و دعوي أن النصب لابد أن يكون صادرا من الإمام(ع) بمقتضي النصوص التي ذكرناها، مدفوعة بأنّه إذا فرضنا أن ولاية الفقيه عامّة لمثل ذلك فلابدّ أن يكون نصبُه بمنزلة نصب الإمام(ع)؛ لأنّ ولايته إنما جاء من قبله(ع). فهذا نظير الإذن الصادر من أميرالمؤمنين(ع) للأشتر في نصب الحاكم.
و دعوي أنّ من لميبلغ درجة الاجتهاد غيرُ عالم في ما يقضيه، فإنّه يجب عليه التقليد، و المقلِّد بمنزلة الجاهل، لأنّ التزامه بفتوي مجتهده لايوجب له العلم و إن كان حجةً عليه في مقام العمل، مدفوعة أيضا بأنّ كثيرا من المقلِّدين الذين لهم حظّ من العلم، ربما كانوا عالمين بكثير من القضايا المسلّمة الفقهية و الأحكامِ الواضحةِ لفصل الخصومات؛ مثل كون البيّنة علي المدّعي و اليمين علي المدعي عليه و كونِ اليد أمارة علي الملكيّة و تمييزِ المدّعي من المدّعي عليه في غالب الموارد و غيرِ ذلك فيوليه الفقيه فيما يعلمه مع أمنه من الاحتياط في الموارد المشتبهة.
فروع:
اعلم أن المحقق قدس سره ذكر في الشرائع بعد بيان صفات القاضي فروعا كثيرة في ضمن إحدي عشرة مسألة. و البحث عنها بعد ملاحظتها جديرٌ؛ لوقوع الابتلاء بها أحيانا؛ سيّما علي ما اخترناه تبعا
للجواهر من أنّ للفقيه الإمامي في عصر الغيبة أن ينصب للقضاء من لم يبلغ درجة الاجتهاد، إذا كان عالما بما ولاّه. ولعلّنا مع ضيق المجال نتعرض لبعض تلك الفروع الّذي وصل إليه نظرنا.
الحكم الصادرُ عن غير المنصوب
قد ذكرنا سابقا أن الحكم الصادر عن غيرالمنصوب من الإمام(ع) غير نافذ و أنّه يحرم تكليفا التحاكم إلي سلطان الجور و القضاةِ المنصوبين عن قبلهم؛ كما صرّح به في المقبولة و روايتي أبي خديجة المتقدمة و نحوها رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه7؛ قال7 بعد بيان المراد من قوله تعالي: «… و تُدْلوا بها إلي الحكام…»L72)
يا أبا محمّد! إنّه لو كان لك علي رجل حقٌّ فدعوته إلي حكام أهل العدل فأبي عليك إلاّ أن يرافعك إلي حكام أهل الجور، ليقضوا له لكان ممن حاكم إلي الطاغوت و هو قول اللّه ـ عزّوجلّ ـ : «ألم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك و ما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت».(73)
و مورد هذه الأخبار و إن كان حكامَ الجور و سلاطينَهم ولكن الظاهرَ بمقتضي تطبيق الآيةِ شمول النهي لكل من تصدّي القضاءَ بغير النصب؛ لشمول الطاغوت له أيضا.
ثم إنه إذا ثبت الحقّ بحكمهم فالظاهر حرمة أخذه أيضا؛ لعدم ثبوته لديه بحجّة شرعيّة و إنّما الكلام فيما إذا كان الحق ثابتا لديه بغير حكمهم؛ كما إذا كان عالما به. فقد صُرّح في المقبولة بحرمة الأخذ أيضا.
و مقتضي إطلاقها عدم الفرق بين العين و الدين ولكنّه استَشكَل فيه بعضهم كصاحب العروة(74) خصوصا في الأوّل. و لعل وجهه أنه إذا كان المفروض ثبوتَ الحق واقعا يكون الآخذ متصرفا في حقَّه فيكون حلالاً؛ لأن حكم الحاكم لم يكن له أثر في الاستحقاق؛ فكان وجوده كعدمه. و من المعلوم أنّه إذا كان عالما بالاستحقاق يجوز له الاستنقاذ بتقاصّ و غيره.
و ربما يفصّل بين العين و الدين؛ بأنّ في الثاني يكون تشخيصُ الحق في المعين بأمر الحاكم و
إجباره و هذا لم يكن ثابتا له قبل الحكم.
ولكنّ الحق هو القولُ بالحرمة مطلقا أخذا بالمقبولة؛ حيث قال: «و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا» و إن كان حقّه ثابتا؛ لأنه أَخَذ بحكم الطاغوت. و هذا صريح في حرمته. و إن ذلك من جهة كونه مأخوذا بحكم الطاغوت. و لابعد في كون مال الإنسان و حقه حراما عليه لأجل عروض العنوان الثانوي نظير حرمة أخذه من المنكر إذا استحلفه فحلف له عند الحاكم العدل.
فحمل المقبولة علي ما إذا كان ثبوتُ الحق بحكم الحاكم خلافَ الظاهر بل الصريح؛ كما أنّ حملَها علي الدين أيضا لاوجه؛ لعدم الداعي إليه بعد معقوليّة الإطلاق و عدم الدليل علي التخصيص. مضافا إلي ما قيل من أن المفروض في صدرها هو التنازع في الدين و الميراث؛ إذ حمل الميراث علي ما كان دينا بعيد جدّا.
و ربما يتوهم معارضته برواية ابن فضال؛ قال:
قرأت في كتاب أبي الأسد إلي أبي الحسن الثاني7 و قرأته بخطه سأله ما في تفسير قوله تعالي: «و لاتأكلوا أموالكم بَينكم بالباطل وَ تُدلوا بها إلي الحكام …».(75) قال: فكتب إليه بخطه: الحكام القضاة. قال: ثم كتب تحته: هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم.(76)
حيث إنّ التقييد بكونه ظالما ظاهر في جواز الأخذ عند كونه محقا و لكنه مدفوع بأنه لم يفرض فيها كون القاضي جائرا؛ بل الحكم المذكور شامل للعادل أيضا فيكون القيد المذكورُ فيه تقييدَ الحكم بالنسبة إلي العادل. هذا مضافا إلي احتمال أن يكون المراد من قوله(ع): «هو أن يعلم الرجل…» تفسيرَ «الأكل بالباطل» و بيانَ بعض مصاديقه. فالتقييد إنّما هو لأجل كون المرادِ بالآية أموالَ الغير؛ فلا ينافي حرمة التصرف في مال نفسه بعنوان آخر.
هذا؛ ولكن في صحيحة ابن سنان عن أبي عبداللّه(ع) قال:
أيّما مؤمن قَدّم مؤمنا في خصومةٍ إلي قاضٍ أو سلطانٍ جائر فقضي عليه بغير حكم اللّه فقد شركه في الإثم.(77)
فإن تقييد الإثم بما إذا قضي عليه بغير حكم اللّه ربما يستفاد منه نفيُه إذا حكم بالحق؛ و فيه أنّ المقصود شركته معه في الإثم الذي يترتب علي الحكم بغير ما أنزل اللّه من كونه كافرا أو ظالما أو فاسقا؛ كما في الآيات المباركة. و هذا غير مناف لترتب إثم آخر إذا لم يكن كذلك.
مضافا إلي ضعف المفهوم في هذه الرواية؛ فلايصلح لمقابلته للمقبولة؛ فتأمّل.
المنافع المالية للقاضي
المنافع المالية التي يمكن أن يستفيدها القاضي، علي أنحاء: فتارةً يكون رشوة و أُخري يكون علي وجه الارتزاق من بيت المال و ثالثة يكون أجرةً مجعولةً له من المتحاكمين أو أحدهما أو غيرهما؛ كمالو استأجره أهل البلد. و المراد منها(78) مطلق العوض عن فعله؛ سواء كان علي وجه الإجارة أو الجعاله؛ لعدم الفرق بينهما في الجهة المبحوث عنها في المقام. و إنما يكون الفرقُ بينهما في تعيين العامل في الأولي؛ حيث يقول له: استأجرتك علي كذا بكذا؛ فيكون ذمةُ العامل مشغولةً له بالعمل. و في الثانية يقول الجاعل: من فعل كذا فله كذا.
و ربما فرّق بين الأُجرة و الرزق ـ كما ظهر من مكاسب الشيخ الأنصاري ـ بأن الأُجرة لاتكون إلاّ مجعولة له في مقابل العمل حيث إنّه محترم و ليس مجانيا؛ فلابد من مقابلته بالمال. و لعلّه المراد ممّا ذكره في الرياض من توقّف العمل علي الأُجرة و امّا الرزق فإنه عبارة عن إعطاءه المالَ إحسانا إليه و تكرمةً أو تشويقا و ترغيبا له في قيامه بالعمل أو لكونه مستحقا لفقره و اشتغالِهِ بما يمنعه عن التكسب أو لغيره مما لايكون في مقابل العمل؛ كما إذا فرضنا أنّ القضاء واجب عليه و فرضنا حرمة أخذَ الأُجرة علي الواجبات.
هذا؛ و يمكن أن يقال بعدم الفرق بينهما من هذه الجهة؛ بل المال في كل منهما في مقابل العمل؛ غاية الأمر يجوز ذلك إذا كان من بيتالمال؛ دون ما إذا كان من المتحاكمين. و هذا هو الظاهر مما رواه في المستدرك(79) عن الجعفريّات. و لعلّه لغرض أنه إذا لم يكن من بيتالمال فربما يذهب عنه الهيبة عند الناس و ربما يقع في التهمة؛ بل ربما يميل قلبه إلي من استأجره بأكثر؛ فيقع في الزلل عند الحكم.
الرشوة
لاخلاف و لاإشكال بين المسلمين في حرمة الرشوة في الجملة. و يدلّ عليه نصوص مستفيضة؛ بل استُدلّ عليه أيضا بقوله تعالي:
و لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تُدْلوا بها إلي الحكام لِتأكُلوا فريقا من أموالِ
الناس بالإثم… .(80)
قيل: «الإدلاء» إرسال الدلوفي البئر لإخراج الماء. قال اللّه تعالي: «فأدلي دلوه»؛ فشبّه إعطاء المال لجرّ النفع من محلّ بعيد أو ظلمانيٍّ بذلك و نظيره ما في النهاية في معني «الرشوة» حيث قال: «إنها الوصلة إلي الحاجة بالمصانعة. و أصله من الرشاء الذي يتوصل به إلي الماء».(81)
أقول: «الرشا» الحبل و قوله: «وتدلوا» إمّا مجزوم ب·· «لا» الناهية لكونه معطوفا علي المنهيّ أومنصوب بإضمار «أن» و علي كلٍّ فهي صريحة في المنع عن بذل الرشوة فيستفاد المنع من الأخذ من الفحوي لاستلزام حرمة البذل لحرمته؛ أو يقال: باستفادته من حرمة أكل الأموال بالباطل بعد فرض أن المستفاد من الذيل كون الإعطاء علي وجه الرشوة باطلاً.
هذا؛ و يحتمل أن تكون المراد من الآية تحريم التحاكم إلي القضاة لغرض اختلاس أموال الناس؛ كما يظهر من الكشاف حيث قال في تفسيرها:
ولا «تُدلوا بها» و لاتلقوا أمرها و الحكومة فيها إلي الحكام «لتأكلوا» بالتحاكم «فريقا» طائفة «من أموال الناس بالإثم».(82)
و يدلّ عليه ما في تفسير القمي عن الإمام(ع) حيث قال(ع): «قد علم اللّه أنه يكون حكام يحكمون بغير الحق. فنهي أن يتحاكم اليهم».(83)
و نحوه في مجمع البيان.(84) و هذا هو الظاهر أيضا من رواية أبي بصير عن الصادق(ع) قال:
إنّ اللّه ـ عزّوجلّ ـ قد علم أن في الأُمة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعنِ حكّام أهل العدلِ ولكنه عني حكّام أهل الجور. يا أبامحمّد! إنّه لوكان لك علي رجل حقٌّ فدعوته إلي حكّام اهل العدل فأبي عليك إلاّ أن يرافعك إلي حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممّن حاكَمَ إلي الطاغوت… .(85)
و أمّا النصوص فهي مستفيضة أو متواترة؛ منها: النبويّ المعروفُ: «لعن اللّه الراشي و المرتشي و الرائش».(86) قال في النهاية بعد تفسير «الرشوة» بما حكيناه:
الراشي مَن الّذي يُعينه علي الباطل و «المرتشي» الآخذ و «الرائش» الذي يسعي بينهما يستزيد لهذا و يَستنقص لهذا.(87)
و رواه في المستدرك عن الغوالي إلاّ أنّه قال: «الراشي و المرتشي و من بينهما يمشي».(88)
و في روايتي عمار بن مروان و سماعة المرويتين بأسناد متعدّدة: «إنّ ذلك الكفر باللّه العظيم».(89) و في روايتي سكوني و يزيد بن فرقد: سحت. و في رواية أصبغ بن نباتة المروية عن ثواب الأعمال عن أميرالمؤمنين7: «إن أَخَذَ ـ أي الوالي ـ رشوةً فهو مشرك».(90)
و لايخفي أنّ المتيقّن منها ما إذا بذل المال ليحكم له بالباطل. و الظاهر شموله لما إذا بذل ليحكم له، حقا كان أو باطلاً؛ بل لايبعد شموله أيضا لما إذا بذله مصانعة ليحكم له بالحق؛ لإطلاق النصوص بناءً علي عموميّة لفظ «الرشوة»؛ كما هو المستفاد من إطلاقها في الروايات و يظهر من بعض أهل اللغة كمصباح اللغة و يؤيّده رواية الدعائم عن الصادق(ع)؛ قال:
مِن أكْل السحت الرشوة في الحكم. قيل: يابن رسول اللّه! و إن حكم بالحق؟ قال7: و إن حكم بالحق. قال: فأما الحكم بالباطل فهو كفر.(91)
و دعوي أنه إذا كان البذل للحكم بالحق فهو داخل في الأجرة التي يأتي البحث عنها، مدفوعة بالفرق بينهما بأن البذل في الأُجرة إنّما يكون في مقابل العمل الّذي له قيمة عند العرف و العقلاء؛ و أمّا الرشوة فلايكون في مقابل العمل؛ إذ ربما يكون لاقيمة له أو أنّ الأُجرة عليه ثابتة له من بيت المال مثلاً؛ فإنّما يعطي المال لأجل المصانعة ليتوصّل إلي الحاجة؛ كما حكيناه عن النهاية أو لأجل الإحسان ليتوجّه إليه ميلُه؛ كما قيل: «الإنسان عبيد الإحسان».
و هل تختص بما يبذل للحكم أو تجري في غيره أيضا؟ اختار في الجواهر(92) الثاني استنادا إلي بعض المطلقات؛ كالنبوي و روايةِ أصبغ. فإنّ غيرهما و إن كان مقيّدا بالحكم و لكنه لايستفاد منه تحديدُ الحرمة حتي يقيّدَ به المطلق.
و هذا إنّما يكون علي فرض صدق الرشوة عرفا كالبذل لحكام العرف و الولاة و غيرِهم ممّن بيده مجاري الأُمور العامّة. فلايجري في مطلق المصانعات الجارية بين الناس؛ إذ منها الهدية
التي تُهدي لقضاء الحوائج المشروعة؛ فإنه لاإشكال فيها؛ بل ربما يستفاد من بعض الروايات استحبابُه في الجملة.(93) قال في الجواهر: «و هذا قسم آخر ينقّح العرف أفراده. و ما كان منها محلّ شك فالأصل حلّيّته». و ربما يؤيّده كتاب أميرالمؤمنين(ع) إلي مالك الأشتر؛ قال:
ثم انظر في أُمور عمّالك فاستعملهم اختبارا و لاتولِّهم محاباة واثرة. فإنّهما جماع من شعب الجور و الخيانة… .(94)
هذا الكتاب رواه الخاصّة و العامة و قد كانوا يستشهدون بإجزاءه في موارد شتّي؛ فهو دليل علي اعتباره.
الارتزاق من بيت المال
و أمّا الارتزاق من بيت المال فالظاهر جوازه مطلقا؛ بل لاإشكال فيه في الجملة. و وجهه أنّ بيت المال ملك للمسلمين ـ علي ما قيل ـ فلابدّ من صرفه فيما هو من مصالح الإسلام؛ كما يدلّ عليه السيرة القطعيّة. فإنّه استقرّت في زمن النبي9 و الوصي(ع) علي صرف بيت المال فيما كان الإسلام يحتاج إليه في نظامه و تقويته؛ كإرزاق الغزاة و المجاهدين و سائر الأعوان و بناءِ المساجد و صرفِهِ في المحاويج و غيرها ممّا كان فيه مصلحةٌ للإسلام و المسلمين.
و هكذا كان في زمن خلفاء الجور و لم يردع عنه الأئمة: مع تمكّن بعضهم من الردع و إنّما كان ردعهم من عدم استحقاقهم لأصل التصرف، لا عن تصرفهم علي هذا الوجه. و يدلّ عليه مرسلة حماد الطويلة؛ حيث قال(ع) في أراضي الخراج:
و يؤخذ بعد ـ أي بعد إخراج الزكاة ـ مابقي من العشر؛ فيقسم بين الوالي و بين شركاءه الذين هم عمّال الأرض و أُكرتها فيدفع إليهم أنصبائهم علي ما صالحهم عليه و يؤخذ الباقي؛ فيكون بعد ذلك إرزاق أعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ليس لنفسه من ذلك قليل و لاكثير… .(95)
و لاإشكال في أنّ رزق القضاة أيضا من هذا القبيل؛ لأنّ القاضيَ أيضا من عمّال الإسلام و أعوان الوالي و فيه مصلحة العامّةِ بل نصب القاضي من أهم المصالح؛ لرجوعه إلي رفع الخلاف و
الخصومة بين المسلمين. فيجوز صرف بيتالمال فيهم؛ بل قال أمير المؤمنين(ع) في كتابه إلي الأشتر بعد ما ذكر من صفاتِ الحاكم: «وافسح له في البذل ما يزيل علّته و تقلّ معه حاجته إلي الناس».(96)كما قال(ع) أيضا في شأن العمّال:
واسبغ عليهم الإرزاق؛ فإن ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم و غني لهم عن تناول ما تحت أيديهم… .(97)
و يؤيّده أيضا ما حكاه في المستدرك عن الجعفريات؛ قال(ع):
مِن السحت… الرشوة في الحكم و أجر القاضي إلاّ قاضٍ يجري عليه من بيت المال.(98)
و عن علي7:
لابد من أمارة و رزق للأمير و لابدّ من عريف و رزق للعريف و لابد من حاسب و رزق للحاسب و لابد من قاض و رزق للقاضي(99)
هذا؛ و ربما يستفاد من خطبة الإمام الحسن السبط(ع) بعد شهادة أبيه7 أنّ للإمام أيضا سهما في بيت المال؛ حيث قال:
و ما ترك علي ظهر الأرض صفراء و لابيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطاءه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.(100)
ثم إنّ ما ذكرناه لافرق بين كون القاضي فقيرا أولا؛ لأنّ ما ذكرناه من السيرة المستمرّة لمتكن مختصّة بالقاضي الفقير بل لعلّ البناءَ كان علي اتخاذ القاضي شخصا شريفا عزيزا حتّي يكون هيبته أوقَع عند العامّة؛ فيكون حكمه أنفذَلديهم.
فتحصل ممّا ذكرناه أن ما ذكره في الجواهر(101) من أنّ مصرف بيت المال هو ذوي الحاجات من جهة كون المجتمعِ فيها هو الزكاة و الصدقات مدفوع بما ذكر و بمنع كون المجتمع فيها ذلك فقط؛ بل الكثير ممّا يجتمع فيها هو الخراج المأخوذ من الأراضي الخراجية و الجزية بل سهم من الزكاة و هو سبيل اللّه أيضا يكون مصرفه مصالحَ الإسلام علي ما يستفاد من أدلّة.
و أمّا ما ورد في صحيحة ابن سنان عن أبي عبداللّه(ع)؛ قال: سئل أبوعبداللّه عن قاضٍ بين فريقين فيأخذ من السلطان علي القضاء الرزق؛ فقال(ع): «ذلك السحت»؛(102) فقد حمل علي وجوه؛ لكونه مخالفا للإجماع المسلّم. و أحسنها الحمل علي القضاة المنصوبين عن سلاطين الجور. فقد ورد لفظ «السلطان» في كثير من النصوص و أريد به ذلك؛ إذ لم يكن سلطان العدل موجودا بعد أميرالمؤمنين(ع) و برهةٍ من زمان الحسن(ع) و لاشكّ أنّ عملهم كان حراما لما ذكرنا من اشتراط نصب العادل في صحة القضاء. فيكون الرزق المأخوذ سحتا لكونه في مقابل الحرام.
نعم؛ لو فرض نصب العادل له في الواقع ـ كما لو كان فقيها عادلاً إماميا(103) حيث ذكرنا أنه منصوب عن الإمام(ع) ـ فهو ينفذ حكمه و يحلّ رزقه من بيت المال و إن كان خارجا عن يد الجائر لكونه أهلاً و مستحقا له واقعا.
و تصرُّف الجائر لايوجب الحرمة لأهله؛ للنصوص الواردة في جواز القبض من الجائر؛ كما ذكره الشيخ الأنصاري في المكاسب(104) مفصّلاً. و ربما يقال؛ كما في الجواهر(105): تارة بأنّ القضاء من الواجبات و أخري أنّه من العبادات المشترطِ فيها الإخلاص.
و علي كلّ تقدير يحرم أخذ الجعل عليه. فإن كان القاضي فقيرا و محتاجا إلي الرزق و لو من جهة اشتغاله بمنصب القضاء المانع له من إدارة معيشته بالتكسب يجوز له الارتزاق من بيت المال؛ لابعنوان كونه عوضَ العمل بل من جهة أنّ بيت المال مصروف إلي المحتاجين؛ سواء كان مشتغلاً بالقضاء أم لا.
و أمّا إن كان له كفايةٌ و غنيً من عند نفسه و لايحتاج إلي الارتزاق أصلاً فهذا يمنع عنه لما ذكرنا من أن مصرف بيت المال هوالمحتاج.
و فيه أوّلاً؛ أنّ كونه من العبادات الكذائية ممنوع و لا دليل علي حرمة أخذ الأُجرة علي مثل القضاء الذي وجب لحفظ النظام؛ كما سيجيء البحث فيه إن شاء اللّه تعالي.
و ثانيا؛ يمكن أن يقال: إنّ المصلحة ربما تقتضي أن يُعطي الغنيّ أيضا من بيت المال و لكن لا علي جهة المعاوضة عن العمل بل علي جهة النفل تشويقا و حفظا له عن أخذ الرشوة أو حفظا لعظمة الإسلام في جميع شؤونه و ليس هذا بأدون من السهم الّذي جعل للمؤلفة قلوبهم في الزكاة؛ كما هو صريح القرآن أو في الغنائم؛ كما صنعه رسول اللّه(ص) في غنائم حنين و يدلّ عليه مرسلة
حماد؛ قال:
وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك من صنوف ما ينوبه. فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج الخمس منه… فإن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم.(106)
و بالجملة؛ فحال القاضي نظير حال سائر القائمين بخدمة الدولة الإسلامية من الغزاة و المجاهدين و الأُمراء و الكتّاب و غيرهم في تقسيم الأموال إليهم علي ما يشهد به السيرة و التواريخ بل الروايات المأثورة عن أهل البيت: فتتبع.
تنبيه: الأموال التي تقسم بين المسلمين علي أنحاء:
أحدها: الغنائم؛ و قد جعله اللّه تعالي للمجاهدين؛ كما قال اللّه تعالي: «وَعَدكم اللّهُ مَغانمَ كثيرةً تأخُذونها…».(107) فيقسّم بينهم علي الكيفية المذكورة في الفقه: للراجل سهم و للفارس سهمان و لكنّه بعد إخراج الخمس منه؛ حيث جعله اللّه تعالي لنفسه و رسوله و قرابته؛ كما قال اللّه تعالي: «وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتم من شيء…».(108) و بعد إخراج صفو المال كالدابة الفارهة و السيفِ القاطع و قطائع الملوك و غير ذلك ممّا يسمي ب·· «··الأنفال» فإنهاللّه و للرّسول9؛ كما قال اللّه تعالي. و ينتقل بعده إلي الإمام(ع) بل قد تقدم في مرسلة حمّاد آنفا أنّ للإمام أن يأخذ منها أيضا ما يسدّ به ما ينوبه. و نحوه في رواية عبداللّه بن سنان في قوله تعالي: «و إنْ فاتَكم شيءٌ مِن أزواجِكم إلي الكفار…»؛(109) حيث قال(ع): «و إن حضرت القسمة فله أن يسدّ كلّ نائبة تنوبه قبل القسمة».(110) بناءً علي كون المراد قسمةَ الغنائم لا الخراج.
ثم إنّ هذا إنّما هو في الغنائم المنقولة التي تسمّي بما حواه العسكر و منها الأساري ذكورا و إناثا.
و ثانيها: الزكوات؛ وقد جعله اللّه تعالي للأصناف الثمانية؛ كما قال اللّه تعالي: «إنّما الصدقاتُ للفقراءِ و المساكينِ…».(111) و يجوز لمن تعلّق به الزكاة أن يقسّمها بنفسه؛ كما يجوز دفعها إلي العامل الّذي بعثه الوالي عليها فيجعلها الوالي حيثما رأي المصلحة من الأصناف المذكورة و
من جملة الأصناف سبيل اللّه و قد ذكرنا أنّ المرادَ منه مصالح الإسلام؛ كتقوية المجاهدين.
و ثالثها: الخراج المأخوذ من الأراضي الخراجية؛ و قد قيل: إنّه ملك للمسلمين. و لكن لايبعد أن يقال: إنه ملكٌ للإسلام؛ فيصرف في جهاته؛ علي ما ذكر في مرسلة حمّاد من قوله(ع): «فيكون ذلك إرزاقَ أعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام…».(112) و إنّما يعطي المسلمون منه لأجل أن ذلك أيضا من شؤون الإسلام و جهاته؛ كما يشعر به التنظير بالإرث في رواية حفص بن غياث؛ قال:
سمعت أبا عبداللّه7 يقول و سئل عن قسمِ بيت المال. فقال: أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين اللّه أجملهم كبني رجل واحد لانفضّل أحدا منهم لفضله و صلاحه في الميراث علي آخَر ضعيف منقوص… .(113)
و بالجملة؛ فحال الخراج نظير المال الموقوف للإسلام في أنّه لابد من صرفه في مصالحه.
و أمّا الجزيةُ المأخوذةُ من أهل الكتاب فلعلّها أيضا كذلك. نعم؛ في صحيحة محمّد بن مسلم قال7:
و إنّما الجزية عطاء المهاجرين و الصدقات لأهلِها الّذين سَمّي اللّه في كتابه ليس لهم في الجزية شيء… .(114)
و نحوه في رواية ابن أبي يعفور(115) و لكن يمكن حملهما علي ما لاينافي ما ذكر.
أخذ الأُجرة علي القضاء
و أما أخذ الأُجرة عليه فقد وقع الخلاف بينهم و تعدد فيه أقوالهم. فعن جماعة بل عن الأشهر ـ كما في الكفاية(116) ـ المنع مطلقا و في الشرائع(117) التفصيل؛ فجوّزه فيما إذا كان محتاجا و لم يكن القضاء واجبا عليه تعيينا و منع عنه فيما إذا كان له كفايةٌ من غيره أو كان القضاء متعيّنا عليه لفقد غيره أو لتعيين الإمام و في المختلف التفصيل بين تعيينه عليه و تمكّنه فلايجوز و ما إذا فقد أحد الشرطين فيجوز.(118)و ربما يحكي ـ كما في جامع المقاصد ـ عن بعضهم الجواز مطلقا
ولكنّه حكي ـ كما في الكفاية(119) و عن المستند و غيرهما ـ عن بعض آخَر دعوي الإجماع أو نفي الخلاف علي المنع في الجملة؛ كصورة التعيين و عدم الحاجة.
و كيفما كان فقد استدلّ علي المنع بوجوه:
منها: صحيحة ابن سنان المتقدّمة و لكنه قد تقدّم أن ظاهرها خلافُ الإجماع؛ إذ لامانع من ارتزاقه من بيت المال و حملها علي أخذ الرزق عوضا لا ارتزاقا بمقتضي كلمة «علي» فيتعدي عن السلطان إلي غيره من المتحاكمين؛ كماتري؛ لعدم ظهورها في العوضية أوّلاً و عدم المنع عنه من بيت المال ثانيا. و ربما تحمل علي الكراهة و لكنه بعيد جدا.
و منها: صحيحة عمار بن مروان المروية عن الخصال؛ حيث قال:
السحت أنواع كثيرة:… منها أُجور القضاء… فأمّا الرشا يا عمار! في الأحكام فإنّ ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله.(120)
و فيه أنّه يحتمل أن يكون المراد القضاةَ المنصوبين من قبل الجائرين الموجودين كثيرا في زمان الأئمة: و بعدهم فيحمل العموم عليهم بمقتضي الغالب. فيكون مفاد الرواية نظيرَ رواية ابن سنان في أنّ الحرمة لأجل كون العمل حراما.
و منها: الروايات الدالة علي تحريم الرشوة بناءً علي شمولها لمطلق الجعل؛ كما عن القاموس و اختاره في الرياض و جامع المقاصد. و لكن قد ذكرنا أنّها عبارة عن إعطاء المال لا في مقابل العمل بل مصانعة عندما كان عمله لايقابل بالأُجرة أو كانت أُجرته ثابتة له من ناحية. فكان عليه بذل العمل له من غير أن يأخذ عنه العوض فيعطيه مصانعة ليتوصل بها إلي الحاجة؛ كما يدلّ عليه رواية عمار المتقدّمةُ. فإنّه جعل أجر القاضي مقابلاً للرشوة. نعم؛ في رواية يوسف بن جابر عن أبي جعفر(ع)، قال:
لعن رسول اللّه9 مَن نظر إلي فرج امرأة لاتحلّ له و رجلاً خان أخاه في امرأته و رجلاً احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة.(121)
فإنّه ظاهر في حرمة الأخذ في مقابل بذل الفقه و هذا بعينه عبارة عن الجعل المبحوث عنه
في هذا المقام. و أمّا إطلاق الرشوة عليه مع أنّ معناها ما ذكرناه فلعلّه لأجل التأكيد في الحرمة؛ كما ذكره الشيخ الأنصاري(122)ـ قدس سرّه ـ ولكن فيه أولاً، مضافا إلي ما فيها من ضعف السند أن المضبوط في الكافي(123) و نقله في الوافي عنه و عن التهذيب: «رجلاً يحتاج الناس إلي نفعه» و من المعلوم أنه ليس المراد منه حينئذ حرمة بذل المال في مقابل مطلق المنافع و إلاّ لكان اللاّزمُ حرمةَ أخذ الأجرة مطلقا؛ فلا يبعد أن يكون المراد المالَ الّذي يبذل مصانعة علي ما هو الظاهر من لفظ «الرشوة» لبذل بعض المنافع الذي لاعوض عرفا في مقابله؛ كقضاء بعض الحوائج الضرورية؛ فيكون مفادها نظير ما رواه في العيون عن أميرالمؤمنين(ع) في قول اللّه عزّوجلّ: «… أكّالونَ لِلسُّحت…»؛(124) قال: «هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديّته».(125)
و ثانيا؛ يمكن أن يقال: «إن ظاهرها إنّما هوالمنع عن أخذ المال لبذل الفقه فيما إذا كان بذله رشوة و قد ذكرنا أن الرشوة مباين للأُجرة و الجعل؛ لأنهما لا يكون إلاّ فيما كان في مقابل العمل و هو متوقّف علي فرض كونه ذا قيمةٍ حتي يقابل بالمال؛ بخلاف الرشوة فيختص مورد الرواية بما إذا لم يكن لبذل الفقه منفعة عند العرف أو الشارع؛ كبيان بعض المسائل التي لاتحتاج إلي مؤونة و تضييع وقت و أما اذا فرضنا أنه يوجب اشتغال جميع الأوقات التي يمكن فيها التكسب لإمرار المعاش، نظير القاضي المنصوبِ فلا تشمله الرواية؛ لأنّ عمله هذا يعدّ ذا قيمة.
و منها: روايتا الدعائم و الجعفريات المروية في المستدرك. ففي الأُولي قال: «و كره أن يكون رزق القاضي علي الناس».(126) و في الثانية قال7: «من السحت أجر القاضي إلاّ قاض يجري عليه من بيت المال».(127)
و الظاهر تماميّة دلالتهما خصوصا الثانية؛ إذ الأُولي مشتملة علي الكراهة و هي غير صريحة في الحرمة، بل ولا ظاهرة إلاّ بقرينة المقام. ولكن الكلام في تمامية السند و هو مشكل.
هذا ما وقفنا عليه من النصوص. فما ذكره في جامع المقاصد من الاستدلال عليه بالنص و الإجماع فلعل المرادَ من الأوّل أحد هذه المذكورات و ربما يتمسك له بأنّ القضاء واجب و لايجوز أخذ الأُجرة علي ما أوجبه اللّه عليه.
و لكن الكبري مما فيه كلام و إجماله أن الواجب ينقسم علي وجوه: فتارة إلي التعبدي و التوصلي و أُخري إلي التعييني و التخييري و ثالثة إلي العيني و الكفائي و رابعة إلي النفسي و الغيري، كمقدمات الواجب و خامسة إلي الأصلي و التبعي، كما ذكره في القوانين؛ و الفرق بينه و بين ما قبله أن هذا في مرحلة الإثبات و ذاك في الثّبوت.
و قد يترائي من بعض الأصحاب حرمة أخذ الأُجرة علي كل ما هو مصداق للواجب؛ كما قال المحقق الثاني؛:
لايجوز أخذ الأُجرة علي إلقاء صيغة النكاح علي المتعاقدين إجماعا؛ لأنه من الواجبات.
و قال في كتاب الإجارة:
إن الوجوب مطلقا مانع من أخذ الأُجرة و هو صريح كلام الأصحاب.
و لكن الظاهر أنه لايلتزم بذلك علي كلّيته فقيهٌ حتي هذا المحقق؛ لأن نفس الإيجاب غير مناف لأخذ الأُجرة؛ لجواز أن يكون نظر الشارع في إيجابه تحققَ وجود الفعل؛ سواء كان بعوض أم لا؛ كما في بذل الطعام للمضطر و إرضاع الأُم ولدها من اللبأ؛ لما قيل من توقف حياة الولد عليه و بعض الصناعات الواجبة كفاية كالطبابة مع تعينها بانحصار و نحوه؛ و كما يقال في الكتابة و أداء الشهادة لقوله تعالي: و لا يُضارّ كاتب و لا شهيد، بعد قوله تعالي: و لايأبَ كاتب… و لا يأبَ الشُهداء… .(128)
و الحاصل، أنه لا دليل علي كون الوجوب بنفسه منافيا لأخذ الأُجرة و مقتضيا لسلب الاحترام المالي عن العمل إذا كان فيه نفع للمستأجر دون غيره كالعبادات و بعض التوصليات إلا أن يحرز أنه أراد الشارع من إيجابه وقوع العمل مجانا. واللّه العالم.
جواب المدّعي عليه
البحث في هذا الموضوع من أهمّ مباحث القضاء. فنقول: إذا تمّت الدعوي من المدّعي فلابدّ من مطالبة المدّعي عليه بالجواب. و هل للحاكم أن يستقلّ بمطالبته أم يتوقّف علي أن يسأله المدّعي بذلك؟
يظهر الكلام فيه ممّا يأتي في جواز الاستقلال بالحكم. ثم إن جواب المدّعي عليه إمّا إقرار لما يدّعيه المدعي أو إنكار له أو سكوت. و في جعل السكوت جوابا خفاء و الأمر فيه سهل.
الإقرار
أمّا الإقرار ففي الشرائع)129) إنه يلزمه إذا كان جامعا لشرائطه؛ للأدلّة الدّالّة علي جواز الإقرار؛ مثل قوله في النبوي المعروف: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(130) و غير ذلك من الروايات. بل نقول: إن الإقرار في الحقيقة تسليم للمدعي و رفع لليد عن خصومته فيجب علي الحاكم الحكم بمقتضي إقراره. ولكنّه ذكر في الرياض(131) و المسالكL132) إنه بالإقرار يثبت الحق علي المقر وإن لم يحكم به الحاكم؛ بخلاف البيّنة؛ فإنه لايثبت بمجرّد قيامها؛ لتوقفها علي اجتهاد الحاكم و نظره دون الإقرار و لكن حكي في الجواهر(133) عن الأردبيلي التردّدفيه بالنسبة إلي الأخذ بالإقرار بدون حكم الحاكم.
عن أستاده الأكبر يعني كاشف الغطاء أو البهبهاني توقفهما عليه.
و التحقيق أن حجيّتهما في نفسها بالنظر إلي حال الجاهل غيرُ متوقّفة علي الحكم. و ذلك لإطلاق ما يستفاد منه حجيّتها للجاهل.(134) فلو أقرّ ذو اليدِ بكون ما في يده لزيد و كان زيد جاهلاً بذلك يجوز له ترتّب آثار الملكيّة عليه و كذا يجوز ذلك لغير المقرّ له أيضا إذا علم بصدور الإقرار الجامع لشرائط الصحّة فيجوز له أن يشتريَها منه أو يستوفيَه له حسبة أو إذا كان وكيلاً و غير ذلك من الآثار؛ و نحو ذلك ما إذا قامت البيّنة العادلة بذلك و علم باستجماعها لشرائط القبول فيجوز له و لغيره ترتيب تلك الآثار.
و أمّا بالنظر إلي قطع الدعوي و فصل الخصومة الّذي هو المقصود بالكلام في باب القضاء فهو متوقف علي حكم الحاكم لامحالة. و ذلك لأنّ مِن الأحكام الثابتة في الإسلام هو نصب القضاة في البلاد ليرفع بحكمه الخصومات الواقعة بينهم في الحقوق و الأموال؛ لئلاّ يستمرّ بينهم الاختلاف؛ كما كان من شأن النبي الأكرم(ص) أنه كان يَبعث القضاة إلي البلاد الإسلامية؛ كما بعث عليا(ع) إلي اليمن و بعث معاذ بن جبل و هكذا شأن الخلفاء بعده ممّن كان خليفتَه حقا أو كان يدّعيها لنفسه و لذا ذكر أميرالمؤمنين7 في عهده إلي مالك الأشتر: «أن يختار للحكم أفضل
الرعية…».
و بالجملة؛ فنصب القاضي إنّما هو من فروع الإمامة و السلطنة العامّة الثابتة لمن له شأن السياسة و ليس العمل بحكمه من الأحكام الفرديّة الظاهريّة أو الواقعية؛ بل هو حكم اجتماعي ثابت علي الناس في الحياة الاجتماعية ليترتب عليه قطع النزاع و فصل الخصومة و يستمرّ بينهم النظام الاجتماعي و لذا لايكون له أثر في تغيير الواقع عمّا هو عليه؛ كما قال(ص): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجّته من بعض. فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار».(135)
و بالجملة؛ فقطع الدعوي و فصل الخصومة لايترتب إلاّ علي الحكم دون مجرّد قيام البيّنة أو الإقرار. فهذا أجنبي عن إطلاقات حجّيّتهما للجاهل.
أقول: هذا الكلام بالنسبة إلي البيّنة كما ذكر وأمّا بالنسبة إلي الإقرار فقد ذكرنا أنّ الإقرار في الحقيقة تسليم للمدّعي و رفع لليد عن الخصومة؛ فلا محالة ينقطع به الدعوي قهرا و هذا بخلاف قيام البيّنة. و ذلك لجواز أن يكون المدّعي عليه بعد قيامها أيضا باقيا علي الإنكار فالخصومة بعد باقيةٌ فيحتاج فصلها إلي حكم الحاكم. و أمّا الإقرار فلايعقل بقاء الخصومة بعده إلاّ أن يفرض رجوع المدعي عليه بعده إلي الإنكار. ولكنّه دعوي أُخري؛ إذ يمكن فرض ذلك بعد تحقق الحكم أيضا.
نعم؛ مع ذلك لايخلو الحكم علي مقتضي الإقرار عن الفائدة و ليس كما توهم من أنّه بعد ثبوت الحق بالإقرار فلا فائدة في إنشاء الحكم من الحاكم. فإنّ من فائدته أنّه إذا رجع بعده إلي الإنكار فإن الحاكمَ يُلزمه بما حكم عليه أوّلاً. و أمّا إذا لم يكن حكم عليه فليس له طريق إلي إلزامه إلاّ الإقرار السابق و هو متوقّف علي القول بجواز حكم الحاكم بعلمه.
و كذا إذا فرضنا أنه مات الحاكم بعد الحكم أو انعزل فإنّ الحاكم الآخَرَ يُنفذ حكم الأوّل؛ إذا ثبت عنده ببيّنة أو كتابةٍ دون ما إذا لم يصدر منه الحكم فإنّه ربما لايكون له سبيل إلي أن يحكم الثاني؛ و إن قامت البيّنة بمجرّد الإقرار عند الأول أو كتابة به و ذلك لعدم كونه مفيدا له في بعض الموارد.
حكم الحاكم بمجرد الإقرار
هل للحاكم الحكم علي المقرّ بمجرّد الإقرار أم يتوقّف ذلك علي مسألة المدعي؟ قولان و
نظيره مطالبة المدعي عليه بأن الجواب و الحكم حق للمدّعي فلايستوفيه من غير مسألته كنفس الحق.
ثم قُوّي قول الأول أيضا بدعوي أن شاهد الحال يدل علي أن له المطالبةَ بالجواب لأن الإنسانَ لايُحضر خصمَه إلي الحاكم ليدعي عليه و ينصرف من غير جواب.
والكلام الأخير أيضا تسليم لاقبله من ادّعاء الحقّيّة إلاّ أنّه ادّعي حصول المسألة بشاهد الحال.
فمحصل الدّعوي أنّ المدعي بحضوره مجلس القضاء يحدث له حق علي الحاكم بالحكم له و ترتيب مقدّماته.
و فيه أنّ أداء الحق إلي صاحبه غير متوقف علي مطالبته كنفس الحق. فإنّه يجوز للمديونَ أن يؤدّي ما عليه و إن لم يطالبه الدائن و إن لم يكن ذلك واجبا في فرض عدم المطالبة. لكنّه إذا أدّاه جاز تكليفا و وضعا بمعني احتسابه عمّا عليه و سقوطِهِ بذلك. فهذا الدليل علي فرض تماميّته يُنتج عدمَ وجوب الحكم قبل المطالبة و أما جوازه و ترتب الأثر عليه فلا ينفيه؛ فيتمسّك لإثباته بإطلاقات الحكم بالبيّنات و الأقارير.
أقول: لايبعد أن يكون مراد الشيخ و من تبعه في هذا الاِستدلال أنّ الجواب من المدّعي عليه و كذا الحكم عليه ـ بمعني صيرورته محكوما ـ حق للمدعي؛ فيكون حينئذ حقّه ثابتا علي المدّعي عليه كحقّه عليه بإحضاره عند الحاكم. فكما أنّ نفس الحقّ إذا ثبت عليه لايستوفيه الحاكم منه لصاحبه كذا لايستوفي منه هذا الحق أيضا إلاّ بإذن صاحبه فليس المراد أن حقّ المدّعي ثبت علي الحاكم بأن يطالب خصمه بالجواب و بأن يحكم عليه إذا ثبت لديه.
نعم؛ إذا كان هناك شاهدُ الحال يجوز للحاكم مطالبة المدعي عليه و كذا الحكم عليه؛ لأنّ شاهد الحال في قوّة الإذن الصريح في باب الحقوق و لادليل علي اعتبار كون الإذن باللفظ.
و أمّا التمسّك للجواز بالإطلاقات، ففيه أنّ أدلّة اعتبار البيّنة و الأقارير و إن كانت مطلقة من حيث جواز ترتيب الأثر عليها لمن قامت عنده إلاّ أن ذلك لايكفي في نفوذ حكم الحاكم مطلقا؛ بل لابدّ من ملاحظة الأدلّة الدالّة علي نفوذ الحكم و وجوب ترتيب الأثر و أنه هل يكون فيها إطلاق أم لا؟ فكما أنّ البيّنة و الإقرار إذا قامت عند غيرالحاكم يكون حجّة عليه في تكليف نفسه ولكنّه إذا حكم بمقتضاهما لايكون نافذا علي الغير لأن النفوذ علي الغير يحتاج إلي تشريع آخر فكذا بالنسبة إلي نفس الحاكم إذا لم يثبت في مورد خاص ـ كما فيما نحن فيه ـ نفوذ حكمه. و الظاهر أنّ إثبات الإطلاق هنا مشكل؛ لعدم دليل لفظي يدل عليه؛ إلاّ أن يقال بأن الحاكم أو القاضيَ إذا نُصب من قبل الإمام علي الرعية يكون له سلطانٌ عليهم بفصل خصوماتهم و رفع
اختلافاتهم فليس الحكم علي المدعي عليه و كذا مقدماته من قبيل استيفاء حق المدعي بل للحاكم إلزامهم بفصل الخصومات؛ كما ربما يستشعر ذلك من قوله(ع) لشريح:
فخذ للناس بحقوقهم منهم وبع فيها العقار والديار… واجعل لمن ادعي شهودا غيّبا أمدا بينهما فإن أحضرهم أخذت له بحقه و إن لم يحضرهم أوجبت عليه القضيّة.(136)
و يؤيّده أنه لم يرد في آداب القضاء ما يدلّ علي استيذان الحاكم من المدعي فيها و كذا فيما رأيناه من الروايات الواردة في حكم الأنبياء و الأئمة: في القضايا الواقعة إليهم. نعم؛ في نفس الحق الذي أقرّ علي نفسه ورد أنه لايؤاخذه الإمام إذا كان من حقوق المسلمين حتي يحضر صاحب الحق فيطالبه بحقه ولكنه غير مانحن فيه.
أدلّه نفوذ الإقرار
تبيّن ممّا تقدّم أن إقرار المدعي عليه من موازين الحكم و أنّه يحكم الحاكم به للمدّعي علي المدعي عليه و الدليل عليه تسالم الفقهاء علي نفوذِ الإقرار علي النفس، مضافا إلي مايشعر به بعض الآيات الشريفة؛ مثل قوله تعالي:
و إذْ أَخَذَ ربُّك مِنْ بني آدمَ مِن ظهورِهم ذُريَّتهم و أشهَدَهم علي أنفسِهم أَلستُ بربِّكم… .(137)
و قولِهِ تعالي:
و إذ أَخَذ اللّهُ ميثاقَ النبيّينَ لَما آتيتُكم مِن كتابٍ و حكمةٍ ثم جاءَكم رسولٌ مُصدِّقٌ لِما معكم لَتُؤمنُنّ به ولَتنصُرُنَّه قال أأقررتم و أَخذتُم علي ذلكم إصري قالوا أَقَررنا قال فاشهدُوا وَ أَنا معكم من الشاهدين * فَمن تَوَلّي بعدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون.(138)
مضافا إلي النبوي المعروف: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز». و يدل عليه الروايات المتكثرة الواردة في الموارد المتفرقة حيث يظهر منها أنّ مجرد الإقرار كافٍ في إلزامه بما أقرّ به فيستفاد منها عموميّة هذا الحكم و هذه الروايات كثيرة جدا(139)و متفرقة في أبواب الحدود و المواريث و إلحاق الأولاد و غير ذلك؛ بل في بعضها كرواية فضيل بن يسار ورد أن إقرارها بمنزلة البيّنة.(140)
مَن المدّعي؟
قيل في تعريف المدعي وجوهٌ: منها: إنّه من لو تَرك تُرك. و منها: إنّه من كان قوله مخالفا للأصل. و منها: إنّه من كان قوله مخالفا للظّاهر.
و تظهر الثمرة في الفرع الذي حكي عن بعض فقهاء العامّة و هو ما إذا أسلم أحدُ الزوجين قبل الدخول، فادّعي أحدهما أنّه كان بالتسابق فينفسخ النكاح و ادّعي الآخر التقارن ليكون باقيا بحاله؛ فالقول الثاني و إن كان موافقا للأصل و هو استصحاب بقاء النكاح إلاّ أنه نادر الوقوع جدا فيكون مخالفا للظاهر فيجب علي مدّعيه إقامة البيّنة.
و الحقّ أنّ هذا البحث غير محتاج إلي التطويل في الكلام و النقض و الإبرام. و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ المراد من المدعي في هذا المقام هو معناه العرفي و هو من كان موجدا للخصومة علي غيره؛ كما إذا حاول إثبات حق أو مال علي غيره و كان ذلك الغير بحسب القواعد المقرّرة من الأُصول العقلائيّة و الشرعيّة أو غيرها يعدّ بريئا عمّا ادّعي عليه. فهذا أيضا يكون مطالبا بالدليل علي صحّة دعواه و إلاّ فيعامل مع الآخر بتلك القواعد المقرّرة.(141)
حكم الحاكم بمجرّد إقامة البيّنة
إذا أقام المدعي البيّنةَ علي دعواه فلامحالة يحكم الحاكم له بمجرّد البيّنة من غير أن يحتاج إلي ضمّ اليمين؛ لقوله (ع): «البيّنة علي المدّعي و اليمين علي المدّعي عليه».(142)
مضافا إلي بعض النصوص الخاصّة؛ كما في رواية أبي العباس عن أبي عبداللّه(ع)؛ قال: «إذا أقام الرجل البيّنة علي حقّه فليس عليه يمين».(143) و في رواية محمّد بن مسلم قال: «سألت أباجعفر(ع) عن الرجل يقيم البيّنة علي حقه؛ هل عليه أن يستحلف؟ قال: لا».(144)
هذا الحكم اتفاقيٌّ بين أصحابنا؛ خلافا لما حكي عن ابن ليلي ـ من قضاة العامة ـ فإنّه أوجب اليمينَ أيضا. و في رواياتنا أيضا ما يدلّ عليه؛ كرواية سلمة بن كهيل الواردة فيما ذكره أميرالمؤمنين لشريح و فيما قال: «و ردّ اليمين علي المدّعي مع بيّنة فإن ذلك أجلي للعمي و أثبت في القضاء…».(145) ولكنها ضعيفة سندا و مخالفة لفتوي الأصحاب.
نعم؛ يستثني منه ما إذا كان الدعوي علي الميّت. فإنّه لابدّ فيها من ضمّ اليمين علي المشهور و يدلّ عليه بعض النصوص أيضا.
يمين المدّعي و الحكم له
ممّا يحكم به للمدعي علي المدّعي عليه اليمين المردودة عليه. و ذلك فيما إذا أجاب المدّعي عليه بالإنكار. فإن الحاكم حينئذ يطالب المدّعي بالبيّنة؛ فإن أقام فالحكم كما ذكرنا. و إن لم يقم بيّنة ـ سواء لم يكن له بيّنة أصلاً أو كان ولكن لم يُرد إقامتَها لبعض الأغراض ـ فالحكم يوجّه اليمين علي المدّعي عليه و هو حينئذ بالخيار بين أن يحلفَ و يُبطل دعوي المدّعي أو يردَّ اليمين علي المدّعي. فإنْ حلَف المدّعي فهو كما لو أقام بيّنة؛ يحكم الحاكم له إجماعا بقسميه؛ كما في الجواهر.(146) و يدلّ عليه جملة من النصوص؛ ففي رواية أبان عن أبي العباس عن أبيعبداللّه(ع) قال:
إذا أقام الرجل البيّنة علي حقّه فليس عليه يمين. فإن لم يُقم البيّنة فردّ عليه الّذي ادّعي عليه اليمين فإن أبي أن يحلف فلاحق له.(147)
فإنّ قوله: «فردّ عليه الّذي…» ظاهر في جواز الردّ و شرعيّتِهِ؛ كما صرّح بذلك إجمالاً في صحيحة هشام عنه(ع): «تردّ اليمين علي المدعي».(148) و في مرسلة أبان عنه(ع) في الرجل يدّعي عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنةٌ؛ قال(ع): «يستحلف المدعي عليه. فإن أبي أن يحلف و قال: أنا أردّ اليمين عليك لصاحب الحقّ فإن ذلك واجب علي صاحب الحق أن يحلف و يأخذ ماله».(149) و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يدعي و لابيّنة له؛ قال: «يستحلفه؛ فإن ردّ اليمين علي صاحب الحق فلم يحلف فلاحقّ له».(150) و في رواية عبيد بن زرارة عنه في الرجل يدعي عليه الحق و لابيّنة للمدّعي؛ قال: «يستحلف أو يردّ اليمين علي صاحب الحق. فإن لم يفعل فلاحق له…».(151) و قوله(ع): «فلاحقّ له» في هذه الروايات يُحتمل أمران: أحدهما: أن يكون معناه أنّ الحاكم يحكم بعدم الحق و قطعِ الدعوي؛ فليس له إقامة الدعوي عليه ثانيا. و ثانيهما: أن يكون معناه أنّه في هذه الخصومة الخاصّة لايثبت حقه بمجرد ذلك فلا ينافي ذلك جوازَ إقامتها عليه ثانيا إمّا بإقامة البيّنة أو باستحلاف المدّعي عليه.
إنكار المدعي عليه دعوي المدّعي
إذا أنكر المدعي عليه دعوي المدعي فإن أقام المدعي علي ما ادّعاه بيّنةً فقد ذكرنا أنّ الحاكم يحكم له و إلاّ فعلي الحاكم أن يَستحلف المنكر و يحكم له علي المدّعي و لكن ليس له استحلافُه إلاّ بعد سؤال المدّعي ذلك. فلو استقلّ بالاستحلاف من غير مسألته فلا أثر بحلفه في سقوط الدعوي؛ فله إقامة الدعوي عليه ثانيا و وجهه بعد الإجماع المحكي عن الرياض و كشف اللثام المعتضد بنفي وجدان الخلاف ـ كما في الجواهر(152) ـ أنّ مرجع الاستحلاف هنا إلي إسقاط حقّ المدّعي. فإنه لايجوز له ثانيا إقامةُ الدعوي علي خصمه و إقامة البيّنة علي مدّعاه و لايجوز له مقاصّته. و من المعلوم أنّ ذلك لايجوز إلاّ بإذنه و رضاه و ليس ما نحن فيه نظيرَ ماتقدّم في جواز الحكم له و مطالبة المدّعي عليه بالجواب؛ لأنّ ذلك علي فرض كونه حقا له لايلزم منه إسقاطه بل استيفاءه من غير أن يستلزم التصرف فيه.
هذا مضافا إلي ظاهر بعض النصوص؛ كرواية ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه7؛ قال:
إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه فحلف أن لاحقّ له قبله ذهبت اليمين بحقّ المدّعي فلادعوي له.(153)
فإنّه ظاهر في أنّ سقوط الحقّ المترتب علي اليمين منوط برضاء صاحب الحقّ. و كذا يظهر ذلك من الروايات الآتية.(154)
و قد حكي في المبسوط:
إنّ أبا الحسين بن أبي عمر القاضي أوّل ما جلس للقضاء ارتفع إليه خصمان؛ فادّعي أحدهما علي صاحبه الدنانيرو أنكر الآخر. فقال القاضي للمدّعي: ألك بيّنة؟ قال: لا. فاستحلفه القاضي من غير مسألة المدّعي. فلمّا فرغ قال له المدّعي: ما سألتك أن تستحلفه لي. فأمر أبوالحسين أن يعطي الدنانير من خزانته؛ لأنه استحيي أن يستحلفه ثانيا.(155)
ثم إذا حلف المنكر فقد ذكرنا أنه يسقط دعواه؛ فليس له إقامتها ثانيا عند هذا الحاكم و لا عند غيره. حتي لو كانت له بيّنةٌ عادلةٌ ليس له إقامتُها عليه بل لو أقامها عند الحاكم لم يسمع منه؛ كما صرّح به الحديث السابق؛ حيث قال بعد العبارة المذكورة:
قلت له: و إن كانت عليه بيّنة عادلة؟ قال: نعم؛ و إن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسـامة مـا كـان لـه [حـق] و كـانـت اليمين قد أَبطلت كلّ ما ادّعـاه قبله ممّا قد استحلفه عليه.
وزاد في بعد ذلك:
قال رسول اللّه9: من حلف لكم باللّه علي حقٍّ فصدِّقوه و من سألكم باللّه فأعطوه. ذهبت اليمين بدعوي المدعي و لادعوي له.(156)
خلافا لما صرّح به الشيخ في المبسوط؛ حيث قال:
فإن حلف أُسقط الدعوي و ليس للمدّعي أن يستحلفه مرّة أُخري في هذا المجلس و لا في غيره. اللهم إلاّ أن يكون له بيّنة عليه فحينئذ يأتي بالبيّنة.
و هذا مخالف للنص السابق و لما استقرّ عليه فتوي غيره. نعم؛ صرح في كتاب الشهادات(157) أيضا بأن بيّنته لاتقبل بحال إلاّ إذا لم يكن عالما بأن له بيّنةً؛ كما إذا أقام غيرُه البيّنة علي حقّه أو كان ناسيا لها؛ فإنه تقبل حينئذ. و فيه أن هذا التفصيل أيضا مخالف لإطلاق النص السابق.
مقاصّة المدعي عليه بعد يمينه
ليس للمدّعي بعد اليمين أن يقاصّه في ماله و إن كان عالما بكذبه في حلفه. مع أنّ المقاصّة مشروعة في الشريعة و المفروض أن الحكم لايغيّر الواقع عمّا هو عليه. فالمال الذي في يدالمنكر باقٍ علي كونه للمدّعي و يحرم علي المنكر التصرفُ فيه؛ كما يدلّ عليه النبويُّ السابق. ولكنّه مع ذلك لايجوز مقاصّته؛ كما يدل عليه رواية عبداللّه بن وضّاح؛ قال:
كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدّمته إلي الوالي فأحلفته فحلف و قد علمت أنّه حلف يمينا فاجرة فوقع له بعد ذلك عندي أرباح و دراهم كثيرة. فأردت أن أقتص الألف درهم التي كانت لي عنده و حلف عليها. فكتبت إلي أبيالحسن(ع)؛ فأخبرته أني قد أحلفته فحلف و قد وقع له عندي مال؛ فإن أمرتني آخُذ منه الألف درهم الّتي حلف عليها فعلت. فكتب(ع): لاتأخذ منه شيئا إن كان قد ظلمك فلا تظلمه و لولا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذها من تحت يدك ولكنّك رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها.(158)
و في رواية خضر النخعي عنه(ع) في الرجل يكون له علي رجل مال فيجحده؛ قال:
إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعداليمين شيئا و إن تركه و لم يستحلفه فهو علي حقه.(159)
وبالجملة؛ المستفاد من هذه الروايات وغيرِها أنّ اليمين موجبه لبراءة المنكر عن دعوي المدّعي ولكن ذلك إنّما هو في خصوص الأحكام الظاهرية الدنيويّة و أمّا في الآخرة فهو باق علي حقّه.
أقول: المستفاد من قوله9: «فصدّقوه» أنه يجب البناء علي صدقه عملاً. فإن ادّعي عليه بدين فحلف علي البراءة فلابدّ من أن يفرض بريئا؛ فلا يجبر علي أداءه و لايدعي عليه ثانيا و لايقاصّ من ماله و كذا إن ادّعي عليه بملكية عين في يده فحلف علي أنّها له؛ فمقتضي تصديقه عملاً أن يفرض كونها له في مرحلة الظاهر. و إن كان معلومَ الخلاف فلاينتزعها منه و إن تمكّن منه و لم يترتّب عليه فتنة. بل و لايتصرف فيها بغير إذنه و إن كان تصرّفُه باطنيا. بل لابد من أن يفرض أنّها كساير أمواله و لايبعد أن يكون ذلك لأجل احترام اسم اللّه تعالي؛ كما يشعر به قوله9: «من حلف لكم باللّه علي حقٍّ فصدِّقوه و من سألكم باللّه فأعطوه».(160)
فحينئذ نقول: إذا كان المدّعي به ثوبا فصلّي فيه المدّعي بعد الحلف فلايبعد بطلان الصلاة لكون تصرّفه فيه حراما؛ لأنّه مخالفةٌ للتصديقِ المأمورِبه. و كذا إذا كان عبدا فأعتقه يكون العتق باطلاً؛ لأن صحّته أيضا خلافُ التصديق الظاهر في ترتّب آثار الملكيّة. فلو وجب عليه عتق رقبة في الكفّارة لايجزيه عتقه. و هكذا سائر التصرفات؛ كاحتسابه عليه خمسا أو زكاة. نعم؛ إذا أبرأه أو وهبه يبرء ذمّته واقعا؛ فلايجب عليه الخروج عنه بعد ذلك و لايؤاخذ به في الآخرة و يجوز له التصرف فيه واقعا بخلاف ما إذا لم يبرءْه فيكون فائدة الإبراء هنا هي الآثار الواقعيّة.
و كيفما كان فربما يظهر من بعض الروايات جوازُ المقاصّةِ أيضا. و هي رواية الحضرمي؛ قال:
قلت له: رجل لي عليه دراهمُ فجحدني و حلف عليها؛ أيجوزلي إن وقع له قبلي دراهم أن آخُذَ منه بقدر حقي؟ فقال: نعم؛ ولكن لهذا كلام. قلت: و ما هو؟ قال: يقول: اللهم لم آخذه ظلما و لاخيانة… .(161)
ولكنه مضافا إلي شذوذها و مخالفتها للروايات الكثيرة و أنه روي نحوُ هذه الرواية أيضا عن الحضرمي متعدّدة خالية عن ذكر الحلف لايبعد حملُها علي ما إذا حلف من قبَل نفسه جمعا بينها و بين غيرها الظاهرِ في أنّ الذي يوجب سقوط الحقّ هو استحلافه و رضايته بالحلف. فليس لهذه الرواية معارضةٌ لما تقدّم إلاّ ما في قوله(ص): «من حلف لكم باللّه علي حقّ فصدّقوه». ولكنه علي فرض ورودها فيما نحن فيه محمول علي فرض الاستحلاف للروايات المتقدّمة.
رجوع المنكر عن إنكاره بعد الحكم له
ثم إنّ هذا كلَّه فيما إذا لم يرجع المنكر عن إنكاره. و أمّا إذا رجع و أكذب نفسَه فإذا كان باذلاً للمدّعي حقّه فلاإشكال في جواز أخذه منه لما ذكرنا من أنّ حقّه ثابت عليه واقعا و أنّه كان يجب عليه الخروج عنه؛ فيكون بذلُه له توبةً من عصيانه الذي ارتكبه و لاينافيه الرواياتُ المتقدّمة. فإنّ ظاهرَها عدمُ جواز الأخذ منه بالمطالبة أو بإقامة الدعوي أو بالمقاصّة؛ و هذا كلّه خارج عن المفروض. و يدلّ عليه أيضا رواية مسمع بن عبدالملك؛ قال:
قلت لأبي عبداللّه(ع): إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه و حلف لي عليه؛ ثم إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الّذي كنت استودعته إيّاه؛ فقال: هذا مالُك فخذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالِك؛ فهي لك مع مالِك؛ واجعلني في حلّ. فأخذت المال منه و أبيت أن آخذَ الرّبح منه و أوقفته المال الذي كنت استودعته و أتيت حتي أستطلَع رأيَك. فماتري؟ قال: فقال: خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّه. إنّ هذا رجل تائب واللّه يحبّ التوابين.(162)
و الظاهر أنّ إعطاء النصف إيّاه علي وجه الاستحباب لا الوجوبِ؛ لعدم الموجب له و إن كان الظاهرُ من اختيار الصدوق ـ رحمة اللّه عليه ـ هوالثاني.
و أمّا إذا لم يكن باذلاً له ـ كما إذا أقرّ أوّلاً ثم أنكر ثانيا أو ماطل في أداءه ـ فالمصرّح به في كلام الأصحاب كالشرائع و القواعد أيضا جواز المطالبة وحلّيّةُ المقاصّة. و عن بعض دعوي الإجماع عليه. و استُدلّ عليه ـ كما في المفتاح الكرامة ـ بأنّ الإقرار أبطل ما تقدّم؛ لعموم أدلّة الأخذ بالإقرار ولكنّه استشكل فيه في المستند و حكي عن الكفاية و يظهر من مفتاح الكرامة؛ حيث قال: «ظاهر الروايات علي خلافه». ثم حكي عن الكافي إنّه قال: «فإن جاءَه بحقّه بعد اليمين نادما من عصيانه حلّ له أخذه». و وجهه أنّ غاية ما يقتضيه نفوذُ الإقرار أن يثبت عليه ظاهرا ما أقرّ به و المفروض أنّ كلاً منهما يعلمان بثبوت الحقِّ عليه واقعا و إن لم يُقرّ به أصلاً و أنّه إنّما لم يرتّب عليه أثره؛ لأجل اليمين حيث إنّها منعت المدعي عن حقه؛ كما قال: ذهبت اليمين بحق المدّعي. و لذا أطلق عليها «يمين الصبر» في بعض الروايات.(163)
و الحاصل أنّ معني نفوذ الإقرار أن ينزل إقرارَه منزلة الثبوت الواقعي. فإلزامه بما أقرّ به إنّما هو لأجل الثبوت عليه بالإقرار. فإذا فرضنا أنّه مع علم كلِ منهما بأن المال ثابت عليه واقعا و لكن لايجوز أخذه منه بالمطالبة أو المقاصّة. ففي فرض الإقرار أيضا كذلك؛ لأنّه لايزيد عن العلم إلاّ أن يدّعي بأنّه موجب لرفع أثر اليمين السابق؛ كما حكيناه عن مفتاح الكرامة. ولكنه محل منع؛ إذ لادليل عليه؛ لأنّه أثر زائد علي الثبوت الواقعي. و قد ذكرنا أنّ النفوذ لايقتضي هذا المعني.
و بالجملة؛ فالإشكال في محلّه خصوصا فيما إذا لم يكن إقرارُه بعنوان رفع اليد عن الإنكار؛ كما إذا تظلّم المدعي إليه و قال له: لماذا ذهبت بحقي و أنا فقير؟ فصدّقه علي ذهاب الحقّ. و لكنّه أبدي له عذرا. أو كما إذا أراد الغاصبُ إظهارَ قدرته و شماتته؛ فقال له: كيف رأيت في إبطال حقّك؟ نعم؛ إذا أقرّ عند الحاكم فربما يحتمل جواز حكمه عليه. و ذلك لأنّ الحاكم إنّما له بحلفه؛ لأجل عدم علمه بالواقع و أنّ الأصل كان معه. فإذا أقرّ عنده كان اللازم ترتيب الأثر علي إقراره؛ لعموم نفوذِ الإقرار.
و الفرق بينه و بين المدّعي أنّ المدعيَ كان ممنوعا عن ترتيب الأثر مع العلم أيضا فلا أثر عنده للإقرار؛ بخلاف الحاكم. ولكنّه يمكن الخدشةُ فيه بأنّ مقتضي نفوذِ الإقرار و إن كان ذلك إلاّ أنّ إطلاق الروايات المتقدّمةِ الدالّةِ علي سقوط الحقِّ و أنّه قد أبطلته اليمين و أنّها قد مضت بما فيها شاملٌ لهذا الفرض أيضا. فإنّ نفوذ الإقرار إنّما هو كحجّيّة البيّنة. و قد صرّح في رواية ابن أبي يعفور بأنّه إذا أقام خمسين قسامة ما كان له حقّ.(164)
الإنصاف أنّ الأظهر هو جواز الحكم عليه في بعض الفروض مثل ما إذا كان رجع عند الحاكم جدّا و كان بانيا علي تكذيب نفسه و لعلّه من جهة أنّه إذا لوحظ هذه الأدلّة مع دليل الإقرار كان شمول الثاني لمثل هذا الفرض أظهر بخلاف ما إذا أقرّبه في ضمن كلامٍ له مع الحاكم. ولكن إذا سئل عنه علي وجه الصراحة يبني علي الإنكار أيضا أو لم يبيّن علي شيء. فإنّ هذا النحوَ من الإقرار و إن كان نافذا عليه في سائر الموارد إلاّ أنّه في مثل ما نحن فيه ممنوع؛ لشمول إطلاق الأدلّة هنا. فالمسألة مشكلة جدّا.
والّذي يقتضيه التدبّر أنّ بين الدليلين عموم من وجه؛ لشمول كلّ منهما لمورد الآخَر؛ كما يمكن تقديم دليل الإقرار علي الآخَر بدعوي أنّ المتيقّن من الآخَر إنّما هو سقوط الحقّ مادام كون المنكر منكرا فبعد رفع اليد عن إنكاره يشمله دليل الإقرار. يمكن أيضا دعوي تقديم الآخر عليه؛ بدعوي أنّ نفوذ الإقرار إنما هو فيما إذا كان ثبوت الحق للمقَرّله ممكنا و المفروض أنّ المستفاد من إطلاق الأدلّة هو سقوطه إمّا لأجل احترام اليمين أو لغير ذلك و حيث لا مرجع في البين فالمرجع الاستصحاب و هو يفيد عدم الجواز.
هذا؛ ولو رجع و ادعي أنه إنما أنكره ناسيا أو مخطئا فحلف اشتباها فلايبعد إلزامه بإقراره؛ فتأمّل.
عدم حلف المنكر و ردّه اليمين علي المدّعي
إذا لم يحلف المنكر و قال: أنا أردّ اليمين علي المدّعي كان له ذلك إجماعا فتويً و نصّا. منها:
صحيحة هشام عن أبي عبداللّه(ع)؛ قال: «تردّ اليمين علي المدّعي».(165) و في رواية عبدالرحمن(166) عن الكاظم(ع):
فإن ادّعي ـ يعني علي الميّت ـ و لابيّنة له فلاحقّ له؛ لأن المدعي عليه ليس بحيّ و لو كان حيا لأُلزم اليمين أو الحق أو يردّ اليمين عليه. فمن ثمّ لم يثبت له عليه حق.(167)
ثم إن حلف المدّعي يثبت حقّه؛ كما يدلّ عليه صريحا مرسلة أبان حيث قال(ع):
فإنّ ذلك واجب علي صاحب الحق أن يحلفَ و يأخذَ ماله.(168)
و نحوه ما في مرسلة يونس بن عبدالرحمن موقوفا؛ قال:
استخراج الحقوق بأربعة وجوه… فإن لم يحلف و ردّ اليمين علي المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه. فإن أبي أن يحلف فلاشيء له.(169)
و يدل عليه أيضا بدليل الخطاب الروايات المستفيضةُ المصرّحةُ بأنّه إذا لم يحلف فلاحقّ له حيث إنّ مفهومها أنّه إذا حلف ثبت حقّه. ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يدّعي و لابيّنة له؛ قال: «يستحلفه؛ فإن ردّ اليمين علي صاحب الحقّ فلم يحلف فلاحقّ له».(170) و نحوها رواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه و رواية جميل و رواية أبي العباس و رواية عبيد بن زرارة بناءً علي ظهور الأخير فيما نحن فيه؛ قال7 في الرجل يدعي عليه الحق و لابيّنة للمدعي؛ قال(ع): «يستحلف أو يردّ اليمين علي صاحب الحق. فإن لم يفعل فلاحقّ له».(171) فإنّ الفاعل في قوله: «فإن لم يفعل» و إن كان المتبادر منه هو المدّعي عليه لأنه المسئولُ عنه في صدر الكلام و لكن لابدّ من إرجاعه إلي صاحب الحق بقرينة حكمه؛ إذ المدّعي عليه لم يكن له حق أصلاً بل احتمل بعض أنه «لم يفعل» هنا هو مصحّف «لم يحلف» فيكون نظير الروايات السابقة. و أمّا احتمال أن يكون المراد من قوله: «فلا حقّ له» أنّه يؤخذ منه الحق و أنه يلزم به فبعيد.
فكيفما كان فلاإشكال في هذه المسألة من الجهتين المذكورتين. إنّما الإشكال في أنّه هل يجوز للحاكم أن يحكم عليه بنفي الحق له فليس له إقامة الدعوي عليه بعد ذلك و لابيّنة أم لا؟
والذي يترائي من كلمات المتقدّمين هو الأوّل حيث ذكروا أنه يسقط الدعوي و في عبارة الشرائع بطلت الدعوي و لعلّه لأجل استظهاره من النصوص المتقدّمة؛ فإنّ قوله(ع): «لا حقّ له» ظاهر في نفيه رأسا لمكان كلمة «لا» التي لنفي الجنس. فإذا حكم الشارع بانتفاءه فلابد علي الحاكم أن يحكم به. و لذا ورد في رواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه: «إنه إذا حلف المدّعي عليه فلاحق للمدعي» فإنّ معني ذلك ليس إلاّ ما ذكر؛ لما ذكرناه من أن الحلف موجب لسقوط الحق رأسا.
و فيه أنّه يحتمل أن يكون المراد هو نفيه في هذه الدعوي لانفيه رأسا. فالمراد هو نفيه لأجل تحقق ما هو المثبت له و إنّما ذكر(ع) ذلك مع وضوحه لدفع توهم أنّ امتناع المنكر بمنزلة النكول. و نظيره ما ورد في رواية البصري: «إنّه إذا ادّعي علي الميّت و لابيّنة له فلاحقّ له». فإن المراد من نفي الحق هنا هو المعني الثاني و ذلك لأنّ الظاهر أنّه إذا أقام البيّنة عليه بعد ذلك تقبل منه و لأجل ذلك صرّح في آخِره بأنّه لم يثبت له حقّ.
و بالجملة؛ المراد من نفي الحق في هذه المواضع هو نفيه ظاهرا؛ لعدم ثبوته شرعا لا الحكم عليه بنفيه رأسا. و أمّا قضيّة الحكم بذلك إذا حلف المنكر فهو لأجل القضاء باليمين؛ كما قال(ص): «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان».(172) و يحتمل أيضا أن يكون من الحقّ المنفي هنا هو الحق الحادث للمدّعي في هذه المحاكمة الخاصّة. فإنّ له فيها حقا علي الحاكم بأن يحكم له إذا ثبت حقّه و حقا علي المنكر بأن يستحلفه و لا أن يمتنع من الجواب و لا أن يقوم من مجلس القضاء و يذهب حيث شاء. فإذا ردّ عليه اليمين و لم يحلف يسقط هذه الحقوق.
و أمّا كلمات المتقدّمين فيحتمل فيها أيضا هذا المعني؛ كما يظهر ذلك من الشيخ في المبسوط و العلاّمة في القواعد؛ قال في المبسوط في باب الشهادات:
إذا ادّعي مالاً أو غيره فإنه ينظر. فإن كان مع المدّعي بيّنة فهي مقدّمة علي يمين المدّعي؛ لأنّ البيّنة حجّة من غير جهة المدّعي. فتنتفي التهمة عنها و اليمين حجّة من جهته فتلحقها التهمة. فإن أقام المدّعي البيّنة حكم له و إن لم تكن معه بيّنة حلف المدّعي عليه و يقدّم يمينه علي يمين المدّعي؛ لأنّ جنبته أقوي؛ فإنّه مدّعي عليه و الأصل براءة ذمّته. فإن حلف أُسقط المطالبة عن نفسه و إن لم يحلف و نكل عن اليمين لم يحكم عليه بنكوله، خلافا لمن قال: إنه يحكم عليه و لايستثبت أيضا لأجل تركه اليمين. بل تردّ اليمين علي المدّعي؛ فيحلف و يحكم له.
ثم ينظر؛ فإن حلف حكم له و إن نكل استثبت و سئل عن تركه الحلف.(173)
فإن قال: لأنّ لي بيّنةً أُقيمها أو قال: أنظر في حسابي و أتحقق ما أحلف عليه، أُخّر. فإذا حلف بعد ذلك حكم له و إن قال: تركتُ الحلف و لستُ أختاره، فقد سقطت اليمين عن جنبته؛ فلا يعود إليه إلا أن يدعي ثانيا في مجلس آخَر و ينكل المدعي عليه عن اليمين فتردّ اليمين علي المدّعي.
و الفرق بينهما أنّه إذا قال: «لست أختار الحلف» فقد أسقط اليمين عن جنبته فلم يعد إليه إلاّ بسبب آخَر و نكول ثانٍ. و إذا قال: «أخرتها لأنظر في حسابي و أنتظر إقامة بيّنتي» فلم يسقط اليمين و إنّما أخرها فلم يسقط اليمين عن جنبته و جاز له الحلف بعد ذلك.(174)
و دلالته علي ما ذكرنا ظاهرة. ثم إنّ المستفاد من مواضع أُخري من المبسوط إن ردّ اليمين علي المدّعي إنّما هو إلي الحاكم؛ حيث قال:
إذا عرض اليمين عليه فإمّا يحلف أو ينكل… و إن نكل قال له الحاكم: «إن حلفت و إلاّ جعلتك ناكلاً ورددتُ اليمين علي خصمك». يقولها ثلاثا. فإن حلف فقد مضي و إن لم يحلف رددنا اليمين علي المدّعي فيحلف و يثبت له الحق.
و قال نظير ذلك فيما إذا سكت المدّعي عليه عن الجواب و لم يُجِب لا بالإقرار و لا بالإنكار و هذا هو الظاهر من كلمات العامّة أيضا ولكنّه مخالف لما استقر عليه فتوي الإماميّة حيث إنّ المستفاد من كلامهم أنّ الردّ إنّما هو للمدّعي عليه دون الحاكم و يدل عليه ظاهر النصوص المتقدّمة؛ كما لايخفي.
فتحصّل من جميع ما ذكر فيما تقدّم إلي هنا أنّ الموازينَ المقرّرة لحكم الحاكم بعضها يكون ميزانا لحكمه للمدّعي علي المدّعي عليه و بعضها الآخر بالعكس؛ فالأوّل هو إقرار المدّعي عليه و بيّنة المدّعي و يمينه عند فقد البيّنة و الثاني هو يمين المدّعي عليه و لا إشكال في تقدّم بيّنة المدعي علي يمين المدعي عليه؛ كما لاإشكال أيضا في تقدّم يمين المدّعي عليه علي يمين المدّعي و أنّ المدعي إذا حلف من قبل نفسه من غير أن يكون لأجل ردّ المدّعي عليه لم يكن مؤثرا كما أنّ المدّعي عليه أيضا إذا حلف من غير أن يستحلفه المدّعي لايكون مؤثرا.
ثمّ إنه اختلف الكلام في أنه إذا نكل المنكر عن الحلف و الرد كليهما فهل يقضي عليه للمدعي بنكوله، كما نسب إلي العامة و إلي الشيخين و الصدوقين و الديلمي و الحلبي و المحقق أم لا إلاّ بعد ردّ الحاكم علي المدعي، كما نسب إلي الشيخ و القاضي و ابني حمزة و إدريس و العلامة و في الرياض إلي كثير من القدماء؟
و لا إشكال في أن الأصل مع الثاني؛ فلابد للأوّل من إقامة دليل عليه. فمما استدل به صحيحة محمد بن مسلم الواردة في كيفية حلف الأخرس أن أميرالمؤمنين7 كتب صورة اليمين علي الصحيفة ثم غسله و أمر الأخرس بشُربه فامتنع فألزمه الدين. واللّه العالم.
قال المقرّر الفقير عبدالرسول الجهرمي: إلي هنا مما رزقني اللّه تعالي من الاستفاضة من محاضرات الأُستاذ الأعظم آيةاللّه العظمي البروجردي1 في بحث القضاء و كان ذلك قبل رحلته بسنة و شيء. ثم وفقني اللّه تعالي أخيرا لإعادة النظر فيه و تصليح أخطاء قلمية أو سهو عن بعض الكلمات و إضافة تعليقات بعد ما أراد ذلك مني بعض الأصدقاء لطبعه في ذكري السيّد؛ فالرجاء ممن يراجعه إن عثر علي خطأ أو قصورٍ في النقل أو عدم نظم فيه أن يُسنده إلي المقرر فإنّ الإنسان لايخلو من ذلك لا سيما بالنسبة إلي السيد الأُستاذ حيث كان همّه تنقيحَ البحوث الفقهية من أول شبابه إلي آخر حياته. والحمدللّه أولاً و آخرا و صلّي اللّه علي محمد و آله الطيبين.
و كان الفراغ من ذلك في مدينة قم في جمادي الأُولي سنة ألف و أربعمأة و إحدي و عشرين من الهجرة القمرية.
……………………………………………………………………………………….
1. كماروي مثله عن رسول اللّه(ص) حيث إن ثورا قتل حمارا علي عهده. فرُفع ذلك إليه و هو في أُناس من أصحابه فيهم أبوبكر و عمر. فقال: «يا أبابكر! اقض بينهم. فقال: يا رسول اللّه! بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شيء. فقال: يا عمر! اقض بينهما. فقال مثلَ قول أبيبكر. فقال: يا علي! اقض بينهم. فقال: نعم؛ يا رسول اللّه! إن كان الثور دخل علي الحمار في مستراحه ضمن أصحابُ الثور؛ و إن كان الحمارُ دخل علي الثور في مستراحه فلاضمان عليهم. فرفع رسول اللّه9 يده إلي السماء؛ فقال: الحمدللّه الّذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين».
رواها في (ج 7، ص 352) و (ج 10، ص 229) بإسنادهما إلي مصعب بن سلام عن أبي عبداللّه(ع) و سعد بن طريف الإسكاف عن أبي جعفر(ع) و اللفظ للأوّل.
و قد رُوي نحوُ ذلك أيضا في تفسير قوله تعالي: «و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث… ففهمناها سليمان و كلاً آتينا حكما و علما» (الأنبياء (21) الآية: 78 ـ 79).
و هذا مصداق لما روي عنه9: «سيكون في هذه الأُمّة كلُّ ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و حذو القذة بالقذة» (، ج 1، ص 203).
2. ص (38) الآية: 26.
3. ورد ذلك في عدة نصوص؛ كما في بحار الانوار ، ج18، ص12 و ج21، ص360 و ج40، ص177 ـ 178 ولفظ «قاضيا» وإن كان محذوفا فيها لكنّه مراد منها؛ بدليل أنه7 قال: «قلت يا رسول اللّه! تبعثني وأنا شابّ أقضي بينهم؟…».
4. الشيخ الطوسي،المبسوط ، ط. المكتبة المرتضوية، ج 8، ص 81.
5 . النور (24) الآية: 51.
6. النساء (4) الآية: 58.
7. المصدر السابق، الآية: 65.
8. المائدة (5) الآية: 42.
9. الأنبياء (21) الآية: 78.
10. مثل هذه الآيات: «إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك اللّه…» (النساء (4) الآية: 105). «فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلي اللّه و الرسول…» (النساء (4) الآية: 59). «إنّا أنزلنا التورية فيها هديً و نور يحكم بها النبيّون الّذين أسلموا للذين هادوا و الربانيّون و الأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه…» (المائدة (5) الآية: 44). «و أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه و لاتتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق» (المائدة (5) الآية: 48).
11.الکافی ، ج 7، ص 414.
12. تفسیر الامام، ط. مدرسة الإمام المهدي7، ص 673 و نحوه في ، ج6، ص104.
13 . حكي عنه في البدایه :
14. ثقة الإسلام الكليني،الکافی ، ط. دارالكتب الإسلامية، ج 7، ص 406.
15. المصدر السابق.
16. الشوري (42) الآية: 10.
17. الزمر (39) الآية: 46.
18. ص (38) الآية: 26.
19. الخلاف، ج 6، ص 209.
20. الشيخ الصدوق، التهذیب، ط. دارالكتب الإسلامية، ج 6، ص 217.
21.الکافی ، ج 7، ص 412.
22. الشيخ الحرّ العاملي، وسائل الشیعه، ط. دارإحياء التراث العربي، ج 18، ص 163.
23. ابوحنيفة النعمان بن محمّد المغربي،دعائم الاسلام ، ط. دارالأضواء، ج 1، ص 234. و رواه النوري في مستدركه في بحث صلاة الجمعة وذكر في آخره «بإمام عدل»؛ كما أنّه في بعض نسخ زيد في آخره: «أمن يقيمه الإمام»؛ كما في طبع دارالمعارف، ج1، ص182، في ذيله.
24. ميرزا حسين النوري،مستدرک الوسائل ، ط. مؤسسة آل البيت، ج 18، ص 29. و في الطبع الحجري، ج1، ص408 و ذكر فيه: «لايصحّ».
25 . لم أجد هذه الرواية بعد التتبع في أخبار الخاصّة والعامّة إلا في في بحث صلاة الجمعة مرسلاً وفي أيضا عن أي ؛ لكنّه قيل: إنه لميعثر عليه في هذه الرسالة أيضا.
26. النساء (4) الآية: 59.
27. النساء (4) الآية: 60.
28.الکافی، ج 1، ص 67.
29. ربّما يستفاد من بعض النصوص جواز رفع الحدود إلي سلطان الجور. ففي صحيحة جميل قال:
اشتريت أنا و المعلّي بن خنيس طعاما بالمدينة… فقال أهل السوق لنا: إن هذا قد سُرق جوالقا من طعامكم فارفعوه إلي الوالي. فكرهنا أن نتقدّم علي ذلك حتي نعرف رأي أبي عبداللّه(ع) ، فدخل المعلّي علي أبيعبداللّه(ع) فذكر ذلك له فأمرنا أن نرفعه (، ج10، ص127).
في رواية علي بن جيرة قال:
سألته(ع) عن رجل سرق، فقامت عليه البيّنة، أنرفعه يقطع و هو يقطع في غير حدّه؟ قال(ع): نعم؛ ارفعه (، ج 10، ص 138).
قال في : معني قوله: «يقطع في غير حدّه» أنّه يقطع إلي الزند و هو مخالف للحقّ و ربّما يشهد له الروايات
الواردة في العفو عن الحدود من أنه إذا رفع إلي الإمام، فلا عفو و ربّما يؤيّده أيضا أنه إذا فرضنا أنّ رفعه إلي الجائر غير جائز و لميتمكّن من الرفع إلي العادل للزم الهرج في دماء المؤمنين و لكان يذهب هدرا و كذا في أموالهم. كيف و قد قال أميرالمؤمنين(ع) علي، في حينما سمع الخوارج يقولون: لا حكم إلاّ للّه، قال(ع):
لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر… . (نهج البلاغة، ترجمة: جعفر الشهيدي، الخطبة 40، ص39).
بل في مسألة التحاكم أيضا يجوز الرفع إليهم عند الاضطرار.
30. النساء (4) الآية: 58.
31. المصدر السابق الآية: 135.
33. المائدة (5) الآية: 8.
34. المائدة، الآيات: 44 و45 و47.
35. الکافی، ج 7، ص 407.
36.المصدر السابق ، ص 408.
37. نفس المصدر .
38.التهذیب ، ج 6، ص 217.
39. شيخ محمّد حسن النجفي، جواهر الکلام، ط. دارإحياء التراث العربي، ج 40، ص 17.
40. كماورد في البصائر في الآية الأُولي عن مالك الجهني قال:
قال أبوجعفر(ع) إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها و إذا حكمتم بين الناس … فيمن نزلت؟ قلت: يقولون: في الناس. قال(ع) أفكل الناس يحكم في الناس أعقل فيمن نزلت؟ (، ص 476).
و نحوها مارواه أيضا عن بريد العجلي عن أبي جعفر(ع) في هذه الآية، قال(ع)
إيّانا عني أن يؤدي الأول منّا إلي الإمام الذي يكون من بعده الكتب و السلاح و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إذا ظهرتم أن تحكموا بالعدل الذّي في أيديكم (، ص 475).
و في و عن معلي بن خنيس:
قلت لأبي عبداللّه(ع) قول اللّه ـ عزّوجلّ: إن اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلي أهلها… قال(ع): علي الإمام أن يدفع ما عنده إلي الإمام الّذي بعده و أُمرت الأئمة أن يحكموا بالعدل و أُمر الناس أن يتبعوهم (، ج 3، ص 3؛ ، ج 6، ص223).
41. التهذیب، ج 6، ص 301.
42. نفس المصدر.
43. الشيخ الطوسي،الخلاف ، ط. مؤسسة النشر الإسلامي، ج 6، ص 241. وقد ذكر في ذيله مصدر هذا الحديث عن بعض كتب العامة وحكاه في ذيل ، ج40، ص25 عن لابن قدامة.
44. جواهر الکلام، ج 40، ص 23.
45. جواهر الکلام، ج 40، ص 25.
46. أي مقبولة عمر بن حنظلة وهي مفصّلة تقدم منها هذه الجملة وتقدّم أيضا صدرها.
47 . وسائل الشیعه، ج18، ص4. وقال بعده: «فتحاكموا إليه» ويأتي بعض عباراتهما قريبا.
48.الکافی ، ج 7، ص 411.
49. التهذیب، ج 6، ص 223.
50. المصدر السابق، ص 301.
51. نفس المصدر.
52. جواهر الکلام ، ج 40، ص 26.
53. أبوعلي الطبري،اعلام الوری ، ط. مؤسسة آل البيت، ص 93.
54. المائدة (5) الآية: 1.
55.بحار الانوار ، ج 49، ص 157.
56.وسائل الشیعه ، ج 14، ص 161.
57. كالموارد الكثيرة في أبواب النكاح و الطلاق و سائر المعاملات. و لعل منها مسألة إقامة الجمعة.
و إنّما الإشكال في أنّ هذه الأمورَ من وظائف الوُلاة أو الحكّام و أنّ جعْلَ الحكومة مستلزمٌ لجعل الولاية و السلطنة المطلقة في هذه الأمور أم لا؟ والّذي يظهر من كلمات الفقهاء هو الثاني. فكأنّهم اصطلحوا لفظ «الحاكم» لمطلق من يجب عليه تصدي الأُمور العامة حسبة. فقد نري في كلماتهم كثيرا أنّ هذه الأُمور يرجع إلي الحاكم الشرعي. ولكن لم يثبت ذلك من اصطلاح الأئمة: علي ما يستفاد من الروايات؛ فإن المذكور فيها أن هذه الأُمور ترجع إلي الوالي أو السلطان أو الإمام و إنّه قد ذكر فيها لفظ «الحكم» و «الحاكم» و المراد منه القاضي، بقرينة المورد؛ بل في كتاب أبي الحسن(ع) في تفسير قوله تعالي: «و تدلوا بها إلي الحكّام»، قال(ع): الحكّام القضاة (، ج 6، ص 219) فيعلم أنّ لفظ «الحاكم» مرادف للقاضي و مغاير لمثل الوالي و السلطان. والله العالم.
58.وسائل الشیعه ، ج 18، ص 4.
59.التهذیب ، ج 6، ص 303.
60. جواهر الکلام ، ج 40، ص 47 ـ 51.
61.الکافی ، ج 7، ص 407.
62. وسائل الشیعه، ج 18، ص 6.
63.بحار الانوار ، ج 15، ص 212.
64.الکافی ، ج 3، ص 14.
65. تفسیر العیاشی، ط. مكتبة العلمية الإسلامية، ج 2، ص 148.
66. جواهر الکلام ، ج 40، ص 21.
67. وجهه أنّ التفويت إنّما هو فيما إذا كان ذلك شغلاً له؛ كالقضاة المنصوبين في البلد لخصوص الترافع إليه. و أما إذا كان المقصود نفوذَ حكمه إذا ترافع إليه أحدٌ و لم يزاحم حقَّ المولي نظير الفقهاء المنصوبين في زمان الغيبة فلامانع من الالتزام به.
68.وسائل الشیعه ، ج 18، ص 84.
69. الشيخ الصدوق،معانی الاخبار ، ط. مؤسسة النشر الإسلامي، ص 2.
70. قد تقدم البحث عنه فيما مضي.
71.وسائل الشیعه ، ج 18، ص 101.
72. البقرة (2) الآية: 188.
73.الکافی ، ج 7، ص 411.
74. السيد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي،العروه ، ط. مطبعة الحيدري، 1378 ق، ج 3، ص 9. لكنّه1 في الجزء الأوّل من عروته في بحث التقليد لميستشكل في ذلك وأفتي بحرمة ما يأخذ بحكمه وإن كان الآخذ محقّا ولميفرق بين العين والدّين؛ كما أنّ السيّد المحقق الأُستاد أفتي في تعليقه هناك بأن المحرم في المحقّ هو الأخذ لا المأخوذ إلاّ أن يكون كليا وتعيينه بإعطاء الحاكم قهرا. أقول: حرمته مطلق أقوي؛ كما في المتن؛ لإطلاق الخبر. والله العالم.
75. البقرة (2) الآية: 188.
76.التهذیب ، ج 6، ص 219.
77. الکافی، ج 7، ص 411.
78. أي الأُجرة.
79.مستدرک الوسائل ، ج 17، ص 354. يأتي روايته قريبا.
80. البقرة (2) الآية: 188.
81. ابن اثير،النهایه ، ط. المكتبة الإسلامية، ج 2، ص 226.
82. الزمخشري،الکشاف ، ج 1، ص 233.
83. علي بن ابراهيم قمي،تفسیر القمی ، ط. دارالسرور، ج 1، ص 94.
84. الشيخ الطبرسي،مجمع البیان ، ط. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج 2، ص 25. العبارة:
قال أبوعبداللّه: علم اللّه أنه سيكون في هذه الأُمة حكام يحكمون بخلاف الحقّ؛ فنهي اللّه تعالي المؤمنين أن يتحاكموا إليهم و هم يعلمون أنهم لايحكمون بالحق.
85. الکافی، ج 7، ص 411.
86. النهایه، ج 2، ص 226.
87. نفس المصدر
88.مستدرک الوسائل ، ج 17، ص 355.
89.الکافی ، ج 5، ص 126 ـ 127.
90.بحار الانوار ، ج 75، ص 345.
91. دعائم الاسلام، ج 2، ص 453.
92.جواهر الکلام ، ج 22، ص 148.
93 . فيالبحار ، ج75، ص45، قال رسولاللّه(ص) «نِعم الشيء الهدية مفتاح الحوائج». ولاينافيه، فيه أيضا عنه9 قال في أهل الفتنة: «فيستحلّون… السحت بالهدية»؛ لجواز كون المراد بذلك الرشوة المحرّمة.
94.نهج البلاغه ، الكتاب 53، ص 332. «الاختبار» أي الامتحان والتأييد به إنّما هو لما ذكر أولاً من حرمة بذل شيء للولاة لعلمهم بدعوي أنّه أيضا أثرة وخيانة.
95.وسائل الشیعه ، ج 11، ص 84.
96. المصدر السابق، ج 18، ص 163.
97. نفس المصدر .
98. مستدرک الوسائل، ج 17، ص 354.
99.المصدر السابق ، ص 407.
100.بحار الانوار ، ج 25، ص 214 و، ط. طهران، ج1، ص457. ولاينافيه ما مرّ آنفا في مرسلة حماد من أنّه ليس لنفسه من ذلك قليل و لاكثير؛ لأنّه ذكر فيها أوّلاً أنّ للإمام الخمس والأنفال يأخذها قبل القسمة أو المراد من عطاءه هنا ما كان عموما للمهاجرين أو المسلمين مما ورد في النصوص أنّه لهم. والله العالم.
101. جواهر الکلام ، ج 40، ص 51.
102.التهذیب ، ج 6، ص 222.
103. كما حكي أنّ القاضيَ عبدالعزيز بن البراج ـ صاحب و و ـ كان قاضيا بالشام من قبل السلاجقة.
104. راجع: المکاسب، ط. دارالحكمة، ج 1، ص 466 ـ 503.
105. جواهر الکلام ، ج 40، ص 51.
106.التهذیب ، ج 4، ص 128.
107. الفتح (48) الآية: 20.
108. الأنفال (8) الآية: 41.
109. الممتحنة (60) الآية: 11.
110. التهذیب، ج 6، ص 313.
111. التوبة (9) الآية: 60.
112. التهذیب،ج 4، ص 128.
113.المصدر السابق ، ج 6، ص 146.
114.المصدر السابق ، ج 4، ص 118.
115.الکافی ، ج 3، ص 568.
116. المحقق السبزواري،کفایه الاحکام، ط. الحجري، ص 262.
117. المحقق الحلي،شرائع الاسلام ، ط. مؤسسة المعارف الإسلامية، ج 4، ص 68.
118. هذا عكس قول المحقق؛ لأنه اشترط فقد الأمرين في الجواز و اكتفي في المنع بأحدهما و لكن العلاّمة اشترطهما في المنع و اكتفي في الجواز بأحدهما إلاّ أنّ الدليل الّذي ذكره في يقتضي المنع في صورة التعيين مطلقا؛ و الجواز في فرض عدمه كذلك.
هذا؛ و يحتمل أن يكون كلام ناظرا إلي أخذ الأُجرة من بيت المال بقرينة صدر الكلام و نقله عن الشيخين في خصوص بيت المال دون المتحاكمين. والله العالم.
119. کفایه الاحکام، ص 262.
120.بحار الانوار ، ج 75، ص 371.
121.التهذیب، ج 6، ص 224.
122.المکاسب ، ج 1، ص 192.
123.الکافی ، ج 5، ص 559.
124. المائدة (5) الآية: 42.
125. بحار الانوار، ج 104، ص 273.
126.مستدرک الوسائل ، ج 17، ص 353.
127. المصدر السابق، ص 354.
128 . البقرة (2) الآية 282.
129. شرائع الاسلام، ج 4، ص 83. عبارة : «أمّا الإقرار فيلزم إذا كان جائزَ التصرف».
130. وسائل الشیعه، ج 16، ص 133.
131. جواهر الکلام ، ج 40، ص 160.
132. نفس المصدر .
133. نفس المصدر .
134. كالنبويّ المعروف و الروايات الخاصّة الواردة في الإقرار في موارد خاصّة التي يستفاد منها العموم و كقوله7:
كلّ شيء هولك حلال حتّي تعلم أنّه حرام بعينه… و الأشياء كلها علي هذا حتي يستبينَ لك غير ذلك أو تقومَ به البيّنة (، ج5، ص 313).
135. الکافی، ج 7، ص 414؛ التهذیب، ج 6، ص 229.
126. الکافی، ج 7، ص 412.
127. الأعراف (7) الآية: 172.
128. آل عمران (3) الآيتان: 81 ـ 82.
129. كما في رواية محمّد بن قيس عنه(ع)؛ قال: كان أميرالمؤمنين(ع) يقول: «لا أقبل شهادة الفاسق إلاّ علي نفسه» (، ج 3، ص 50).
و في صحيحة محمّد بن مسلم: «من أقرّ علي نفسه بحدّ أقمته عليه إلاّ الرجم فإنّه إذا أقرّ علي نفسه ثم جحد لم يرجم» (، ج 7، ص 219).
و في حسنة حمران عن أبي جعفر(ع) عن أميرالمؤمنين(ع): «الناس كلهم أحرار إلاّ من أقرّ علي نفسه بالرق و هو مدرك» ذكر(ع) ذلك في قضيّة جارية ادعاها رجل أنها مملوكته و ادّعت امرأة أنها ابنتها (الكافي، ج 7، ص 420).
و ما ورد في قضاء أميرالمؤمنين7 بإقرار قوم بالقتل (، ج 7، ص 372) و أخذ المال في قضيّة شابّ خرج أبوه مع القوم في السفر و رجعوا و لميرجع أبوه (، ج 7، ص 371).
و في مرسلة جميل في رجل أقرّ أنه غصب رجلاً علي جاريته و قد ولدت الجارية من الغاصب، قال: «تُردّ الجارية و ولدُها علي المغصوب إذا أقرّ بذلك أو كانت له بيّنة» (، ج 7، ص 482).
و في رواية السكوني: «إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه أبدا» (، ج 8، ص 183). إلي غير ذلك؛ كالروايات
الدالة علي الإقرار بالقتل أو الزنا أو غيرهما من الحدود. فإنّه ورد أنّه يحدّ و إن جحد بعد ذلك إلاّ في الرجم فإنه لايرجم ولكنّه يضرب؛ و كالروايات الواردة في إقرار الوارث بدَين علي الميت أو بوارث آخر؛ و كالروايات الواردة في إقرار المريض بدَين عليه أو عين فإنّه نافذ في حقّه مطلقا؛ سواء زاد علي الثلث أم لا؛ إذا كان المقرّ مأمونا و بالنسبة إلي الثلث إذا لم يكن كذلك.
140.التهذیب ، ج 9، ص 169.
141. فهذا ربما يكون قوله موافقا للأصل بالمعني الاصطلاحي؛ كما في مسألة منازعة الزوجة مع زوجها في الدخول و عدمه؛ فإنه صرّح في صحيحة أبي حمزة بأنّ المرأة مدعية مع موافقة قولها للأصل؛ حيث قال(ع):
إذا تزوّج الرجل المرأة الثيّب التي قد تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها فإن القول في ذلك قول الرجل و عليه أن يحلف باللّه لقد جامعها؛ لأنها المدعية… (، ج 5، ص 411).
و دعوي أنّ ذلك من جهة ادعاء المرأة العيب في الرجل و هو خلاف الأصل، مدفوعةٌ بأنّ ذلك خلاف ظاهر الرواية؛ فإنّ المستفاد منه أنّ مصبّ الدعوي هو الدخول و عدمه. و لعلّه لم يكن لأجل العيب بل لجهات أُخري.
142.الکافی ، ج 7، ص 361.
143.التهذیب ، ج 6، ص 231.
144. الکافی، ج 7، ص 417.
145.المصدر السابق ، ص 413.
146. جواهر الکلام ، ج 40، ص 176.
147.الکافی ، ج 7، ص 417.
148. التهذیب، ج 6، ص 230.
149. الکافی، ج 7، ص 416؛ ، ج 6، ص 230.
150.الکافی ، ج 7، ص 416.
151. نفس المصدر
152. جواهر الکلام ، ج 40، ص 170.
153.الکافی ، ج 7، ص 417.
154. كرواية ابن الوضاح حيث قال7: ولكنك رضيت بيمينه (، ج 18، ص 180). بل الظاهر من الاستحلاف الوارد في الروايات الكثيرة هو ذلك.
155. المبسوط، ج 8، ص 117.
156. الشيخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ط. جماعة المدرسين، ج 3، ص 62.
157. المبسوط، ج 8، ص 210.
158. الکافی، ج 7، ص 430.
159. المصدر السابق، ج 5، ص 101.
160. من لایحضره الفقیه، ج 3، ص 62.
161. التهذیب، ج 6، ص 348.
162.المصدر السابق ، ج 7، ص 180.
163. رواه إبراهيم بن عبدالحميد عن بعض أصحابه موقوفا في الرجل يكون له علي الرجل المال؛ فيجحده فيحلف له يمين صبر؛ أله عليه شيء؟ قال: «لا؛ ليس له أن يطلب منه و كذلك إن احتسبه عنداللّه فليس له أن يطلب منه» (، ج 7، ص418).
قال في الوافي: الصبر هي التي لازمة لصاحبها من جهة الحكم ألزم بها صاحبها و حبس عليه و أصل الصبر الحبس.
164. الکافی، ج 7، ص 417.
165. الّذي رأيناه في نسخة : «يردّ اليمين علي المدّعي عليه». فهو خارج عمّا نحن فيه.
166. هو عبدالرحمن بن أبي عبداللّه البصري و كان من محدّثي البصرة و اسم أبي عبداللّه ميمون روي هذه عن الشيخ و في يعني موسي بن جعفر(ع).
167.التهذیب ، ج 6، ص 229.
168.الکافی، ج 7، ص 416.
169.وسائل الشیعه ، ج 18، ص 176.
170.الکافی ، ج 7، ص 416.
171. نفس المصدر .
172. التهذیب ، ج 6، ص 229؛ ، ج 7، ص 414.
173. يظهر منه أنّ مراده من «الاستثبات» هو السؤال عن ترك الحلف.
174.المبسوط ، ج 8، ص 209.